قالوا: ولم يقع فى شئ من طرقه التصريح بسماعه لذلك من النبى- صلى الله عليه وسلم-، ولو وقع لقطعنا بأنه كان فى حجة الوداع لأنه شهدها ولم يشهد الحديبية. وقد وقع تعيين الحديبية من حديث جابر عند أبى قرة فى «السنن» ومن طريقه الطبرانى فى الأوسط، ومن حديث المسور بن مخرمة عند ابن إسحاق فى المغازى. وورد تعيين حجة الوداع من حديث أبى مريم السلولى عند أحمد وابن أبى شيبة، ومن حديث أم الحصين عند مسلم ومن حديث قارب بن الأسود الثقفى عند أحمد وابن أبى شيبة، ومن حديث أم عمارة عند الحارث.
والأحاديث التى فيها تعيين حجة الوداع أكثر عددا، وأصح إسنادا، ولهذا قال النوى عقب أحاديث ابن عمر وأبى هريرة وأم الحصين: هذه أحاديث تدل على أن هذه الواقعة كانت فى حجة الوداع. قال: وهو الصحيح المشهور، وقيل: كانت فى الحديبية، وجزم إمام الحرمين فى النهاية أن ذلك كان فى الحديبية، ثم قال النووى: ولا يبعد أن يكون وقع ذلك فى الموضعين. انتهى. وكذا قال ابن دقيق العيد: إنه الأقرب.
قال فى فتح البارى: بل هو المتعين لتظاهر الروايات بذلك فى الموضعين، إلا أن السبب فى الموضعين مختلف، فالذى فى الحديبية كان بسبب توقف من توقف من الصحابة عن الإحلال، لما دخل عليهم من الحزن، لكونهم منعوا من الوصول إلى البيت مع اقتدارهم فى أنفسهم على ذلك، فخالفهم النبى- صلى الله عليه وسلم- وصالح قريشا على أن يرجع من العام المقبل، فلما أمرهم بالإحلال توقفوا، فأشارت أم سلمة أن يحل هو- صلى الله عليه وسلم- قبلهم ففعل، فتبعوه فحلق بعضهم وقص بعضهم، فكان من بادر إلى الحلق أسرع إلى امتثال الأمر، ممن اقتصر على التقصير، وقد وقع التصريح بهذا السبب فى حديث ابن عباس، فإن فى آخره عند ابن ماجه وغيره أنهم قالوا: يا رسول الله، ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم؟ قال:«لأنهم لم يشكوا» .
وأما السبب فى تكرير الدعاء للمحلقين فى حجة الوداع، فقال ابن