وفى رواية: أنه- صلى الله عليه وسلم- بينا هو قائم يخطب يوم النحر، فقام إليه رجل فقال: ما كنت أحسب أن كذا وكذا، قبل كذا وكذا، وفى رواية: حلقت قبل أن أنحر، نحرت قبل أن أرمى وأشباه ذلك. وفى رواية: حلقت قبل أن أذبح، ذبحت قبل أن أرمى.
ومن المعروف أن الترتيب أولى، وذلك أن وظائف يوم النحر بالاتفاق أربعة أشياء: رمى جمرة العقبة، ثم نحر الهدى أو ذبحه، ثم الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة مع السعى بعده، وقد تقدم أنه- صلى الله عليه وسلم- رمى جمرة العقبة ثم نحر ثم حلق.
وقد أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب، وأجمعوا أيضا على جواز تقديم بعضها على بعض، إلا أنهم اختلفوا فى وجوب الدم فى بعض المواضع. ومذهب الشافعى وجمهور السلف والعلماء وفقهاء الحديث: الجواز وعدم وجوب الدم لقوله- صلى الله عليه وسلم- للسائل:«لا حرج» ، وهو ظاهر فى رفع الإثم والفدية معا، لأن اسم الضيق يشملهما.
وقال الطحاوى: ظاهر الحديث يدل على التوسعة فى تقديم بعض هذه الأشياء على بعض، إلا أنه يحتمل أن يكون قوله «لا حرج» أى لا إثم فى ذلك الفعل، وهو كذلك لمن كان ناسيا أو جاهلا، وأما من تعمد المخالفة فتجب عليه الفدية.
وتعقب: بأن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل، ولو كان واجبا لبينه- صلى الله عليه وسلم- حينئذ لأنه وقت الحاجة فلا يجوز تأخير عنه. وتمسك الإمام أحمد بقوله فى الحديث «لم أشعر» وبما فى رواية يونس عند مسلم، وصالح عند أحمد فما سمعته يومئذ يسأل عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعضها إلا قال:«افعل ولا حرج» بأنه إذا كان ناسيا أو جاهلا فلا شئ عليه وإن كان عالما فلا.
قال ابن دقيق العيد: ما قاله أحمد قوى من جهة أن الدليل دل على وجوب اتباع الرسول فى الحج لقوله «خذوا عنى مناسككم» وهذه الأحاديث