وفى صحيح مسلم وغيره، من حديث ابن عباس: أنه- صلى الله عليه وسلم- لقى ركبا بالروحاء، فقال:«من القوم؟» فقالوا: المسلمون يا رسول الله، فرفعت امرأة صبيا لها فى محفة فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال:«نعم ولك أجر» . ولما وصل- صلى الله عليه وسلم- لذى الحليفة بات بها. قال بعضهم: إن نزوله لم يكن قصدا، وإنما كان اتفاقا، حكاه القاضى إسماعيل فى أحكامه عن محمد ابن الحسن وتعقبه. والصحيح أنه كان قصدا لئلا يدخل المدينة ليلا.
فلما رأى المدينة كبر ثلاثا وقال:«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» . ثم دخل المدينة نهارا من طريق المعرّس- بفتح الراء المشددة وبالمهملتين- وهو مكان معروف، فكل من المعرس والشجرة التى بات بها- صلى الله عليه وسلم- فى ذهابه إلى مكة على ستة أميال من المدينة. انتهى ملخصا من فتح البارى وغيره، والله أعلم.
وأما عمره- صلى الله عليه وسلم-، فالعمرة فى اللغة: الزيارة. ومذهب الشافعى وأحمد وغيرهما: أنها واجبة كالحج، والمشهور عن المالكية أنها تطوع وهو قول الحنفية. وقد اعتمر- صلى الله عليه وسلم- أربع عمر، ففى الصحيحين وسنن الترمذى وأبى داود عن قتادة قال: سألت أنسا: كم حج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: حج حجة واحدة، واعتمر أربع عمر، عمرة فى ذى القعدة، وعمرة الحديبية، وعمرة مع حجته، وعمرة الجعرانة إذ قسم غنيمة حنين «١» ، هذا لفظ رواية الترمذى وقال: حسن صحيح.
وفى رواية الصحيحين: اعتمر أربع عمر، كلهن فى ذى القعدة إلا التى مع حجته: عمرة الحديبية- أو زمن الحديبية- فى ذى القعدة، وعمرة من العام
(١) صحيح: أخرجه الترمذى (٨١٥) فى الحج، باب: ما جاء فى حج النبى. من حديث أنس بن مالك- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .