للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال القشيرى فى «الرسالة» : اختلف أى الأمرين أولى، الدعاء أو السكوت والرضاء؟ فقيل الدعاء، وهو الذى ينبغى ترجيحه لكثرة الأدلة، ولما فيه من إظهار الخضوع والافتقار، وقيل: السكوت والرضى أولى لما فى التسليم من الفضل. انتهى.

وشبهتهم: أن الداعى لا يعرف ما قدر له، فدعاؤه إن كان على وفق القدرة فهو تحصيل الحاصل، وإن كان على خلافه فهو معاند.

وأجيب: بأنه إذا اعتقد أنه لا يقع إلا ما قدر الله تعالى كان إذعانا لا معاندة وفائدة الدعاء تحصيل الثواب بامتثال الأمر، ولاحتمال أن يكون المدعو به موقوفا على الدعاء، لأن الله تعالى خلق الأسباب ومسبباتها. انتهى.

وقد أرشد- صلى الله عليه وسلم- أمته لكيفية الدعاء فقال: «إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه، وليصل على النبى- صلى الله عليه وسلم-، ثم ليدع بما شاء» ، رواه الترمذى من حديث فضالة بن عبيد. وقال- صلى الله عليه وسلم- فى رجل يدعو: «أوجب إن ختم بامين» «١» . رواه أبو داود. وقال: «لا يقل أحدكم اللهم اغفر لى إن شئت، اللهم ارحمنى إن شئت، ولكن ليعزم على المسألة فإن الله لا مكره له» «٢» ، رواه البخارى وغيره.

ومعنى الأمر بالعزم الجد فيه، وأن يجزم بوقوع مطلوبه، ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى، وإن كان مأمورا فى جميع ما يريد فعله أن يعلقه بمشيئة الله تعالى، وقيل معنى العزم أن يحسن الظن بالله فى الإجابة، فإنه يدعو كريما، وقد قال ابن عيينة: لا يمنعن أحدا الدعاء ما يعلم من نفسه، يعنى التقصير، فإن الله تعالى قد استجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال: أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ «٣» . وقال- صلى الله عليه وسلم-: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول:

دعوت فلم يستجب لى» رواه الشيخان وغيرهما.


(١) ضعيف: أخرجه أبو داود (٩٣٨) فى الصلاة، باب: التأمين وراء الإمام، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن أبى داود» .
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٦٣٣٩) فى الدعوات، باب: ليعزم المسألة فإنه لا مكره له، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.
(٣) سورة الأعراف: ١٤.