للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد استشكل صدور هذه الأدعية ونحوها منه- صلى الله عليه وسلم- مع قوله تعالى:

لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «١» ووجوب عصمته، وأجيب:

بأنه امتثل ما أمره الله به من تسبيحه وسؤاله المغفرة فى قوله تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ «٢» . ويحتمل أن يكون قاله على سبيل التواضع والاستكانة والخضوع والشكر لربه تعالى، لما علم أنه قد غفر له، ويحتمل أن يكون سؤاله ذلك لأمته وللتشريع، والله أعلم.

وكان- صلى الله عليه وسلم- عند الكرب- وهو ما يهجم على الإنسان مما يأخذ بنفسه ويحزنه ويغمه. - يدعو: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السماوات والأرضين ورب العرش العظيم» «٣» رواه البخارى. وفى رواية:

«لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات والأرضين ورب العرش الكريم» .

قال الطيبى: صدر هذا الثناء بذكر الرب ليناسب كشف الكرب لأنه مقتضى التربية، ومنه التهليل المشتمل على التوحيد، وهو أصل التنزيهات الجلالية، والعظمة التى تدل على تمام القدرة، والحلم الذى يدل على العلم.

إذ الجاهل لا يتصور منه حلم ولا كرم، وهما أصل الأوصاف الإكرامية.

انتهى. وكان- صلى الله عليه وسلم- إذا همه أمر رفع رأسه إلى السماء وقال: «سبحان الله العظيم» . رواه الترمذى من حديث أبى هريرة. فإن قلت: هذا ذكر ليس فيه دعاء. فالجواب: إن التعرض للطلب تارة يكون بذكر أوصاف العبد من فقره وحاجته، وتارة بذكر أوصاف السيد من وحدانيته والثناء عليه. وقد قال أمية ابن أبى الصلت فى مدح عبد الله بن جدعان:

أأذكر حاجتى أم قد كفانى ... حياؤك إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرضك الثناء


(١) سورة الفتح: ٢.
(٢) سورة النصر: ١.
(٣) صحيح: أخرجه البخارى (٦٣٤٥) فى الدعوات، باب: الدعاء عند الكرب. من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.