للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال: فلعلهم أرادوا بالكراهة خلاف الأولى، فإنه لا شك أن اشتغاله بالذكر أولى. انتهى.

قال فى فتح البارى: ولعلهم أخذوه بالمعنى من كون كثرة الشكوى تدل على ضعف اليقين وتشعر بالتسخط للقضاء، وتورث شماتة الأعداء، وأما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا بأس به اتفاقا، فليس ذكر الوجع شكاية. فكم من ساكت وهو ساخط، وكم من شاك وهو راض، فالمعوّل فى ذلك على عمل القلب اتفاقا لا على نطق اللسان.

وقد تبين- كما نبه عليه فى «اللطائف» - أن أول مرضه- صلى الله عليه وسلم- كان صداع الرأس، والظاهر أنه كان مع حمى، فإن الحمى اشتدت به فى مرضه، فكان يجلس فى مخضب ويصب عليه الماء من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن، يتبرد بذلك.

وفى البخارى قالت عائشة: لما دخل بيتى واشتد وجعه قال: «أهريقوا علىّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن، لعلى أعهد إلى الناس» ، فأجلسناه فى مخضب لحفصة- زوج النبى- صلى الله عليه وسلم- ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب، حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن «١» . الحديث.

وقد قيل فى الحكمة فى هذا العدد: أن له خاصية فى دفع ضرر السم والسحر، وسيأتى- إن شاء الله تعالى- أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: «هذا أوان انقطاع أبهرى» «٢» ، أى من ذلك السم. وتمسك بعض من أنكر نجاسة سؤر الكلب به، وزعم أن الأمر بالغسل منه سبعا إنما هو لدفع السمية التى فى ريقه.

وكانت عليه- صلى الله عليه وسلم- قطيفة، فكانت الحمى تصيب من يضع يده عليه


(١) صحيح: أخرجه البخارى (١٩٨) فى الوضوء، باب: الغسل والوضوء فى المخضب. من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (تعليقا) فى المغازى، باب: مرض النبى ووفاته، من حديث عائشة، وأبو داود (٤٥١٢) فى الديات، باب: فيمن سقى رجلا سمّا أو أطعمه فمات أيضا منه. من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.