وقد أجمع المسلمون على استحباب زيارة القبور، كما حكاه النووى، وأوجبها الظاهرية، فزيارته- صلى الله عليه وسلم- مطلوبة بالعموم والخصوص. لما سبق، ولأن زيارة القبور تعظيم، وتعظيمه- صلى الله عليه وسلم- واجب. ولهذا قال بعض العلماء: لا فرق فى زيارته- صلى الله عليه وسلم- بين الرجال والنساء، وإن كان محل الإجماع على استحباب زيارة القبور للرجال، وفى النساء خلاف، والأشهر فى مذهب الشافعى الكراهة.
قال ابن حبيب من المالكية: ولا تدع زيارة قبره- صلى الله عليه وسلم- والصلاة فى مسجده، فإن فيه من الرغبة ما لا غنى بك ولا بأحد عنه.
وينبغى لمن نوى الزيارة أن ينوى مع ذلك زيارة مسجده الشريف، والصلاة فيه، لأنه أحد المساجد الثلاثة التى لا تشد الرحال إلا إليها، وهو أفضلها عند مالك، وليس لشد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة فضل، لأن الشرع لم يجئ به، وهذا الأمر لا يدخله قياس، لأن شرف البقعة إنما يعرف بالنص الصريح عليه، وقد ورد النص فى هذه دون غيرها.
وقد صح أن عمر بن عبد العزيز كان يبرد البريد للسلام على النبى- صلى الله عليه وسلم-. فالسفر إليه قربة لعموم الأدلة. ومن نذر الزيارة وجبت عليه. كما جزم به ابن كج من أصحابنا، وعبارته: إذا نذر زيارة قبر النبى- صلى الله عليه وسلم- لزمه الوفاء، وجها واحدا، انتهى: ولو نذر إتيان المسجد الأقصى للصلاة لزمه ذلك على الأصح عندنا، وبه قال المالكية والحنابلة، لكنه يخرج عنه بالصلاة فى المسجد الحرام. وصحح النووى أيضا أنه يخرج عنه بالصلاة فى مسجد المدينة. قال: ونص عليه الشافعى فى البويطى. وبه قال الحنفية والحنابلة.
وللشيخ تقى الدين بن تيمية هنا كلام شنيع عجيب «١» ، يتضمن منع
(١) قلت: وهل قال ابن تيمية إلا بما قال به الأولون من القرون الثلاثة السابقة، من كراهة اتخاذ قبره- صلى الله عليه وسلم- عيدا أو مكانا يعبد الله فيه، لأحاديثه- صلى الله عليه وسلم- ذاته الناهية عن ذلك، أم نخالفه ونعصى أمره، ونقع فى المحذور الذى حذرنا منه بعبادته دون الله كما حدث من أتباع عيسى- عليه السّلام- ونغالى فيه كما غالت الأمم من قبلنا فى أنبيائهم وصالحيهم فعبدوهم من دون الله.