للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شد الرحال للزيارة النبوية المحمدية، وأنه ليس من القرب، بل بضد ذلك.

ورد عليه الشيخ تقى الدين السبكى فى «شفاء السقام» فشفى صدور المؤمنين.

وحكى الشيخ ولى الدين العراقى، أن والده كان معادلا للشيخ زين الدين عبد الرحمن بن رجب الدمشقى فى التوجه إلى بلد الخليل- عليه السّلام-، فلما دنا من البلد قال: نويت الصلاة فى مسجد الخليل، ليحترز عن شد الرحال لزيارته على طريقة شيخ الحنابلة ابن تيمية، فقلت: نويت زيارة قبر الخليل- عليه السّلام-. ثم قلت: أما أنت فقد خالفت النبى- صلى الله عليه وسلم-، لأنه قال:

«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» وقد شددت الرحل إلى مسجد رابع، وأما أنا فاتبعت النبى- صلى الله عليه وسلم- لأنه قال: «زوروا القبور» أفقال: إلا قبور الأنبياء؟! قال: فبهت.

وينبغى لمن أراد الزيارة أن يكثر من الصلاة والتسليم عليه فى طريقه، فإذا وقع بصره على معالم المدينة الشريفة وما تعرف به، فليردد الصلاة والتسليم، وليسأل الله أن ينفعه بزيارته ويسعده بها فى الدارين. وليغتسل ويلبس النظيف من ثيابه، وليترجل ماشيا باكيا. ولما رأى وفد عبد القيس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ألقوا أنفسهم عن رواحلهم ولم ينيخوها وسارعوا إليه، فلم ينكر ذلك عليهم- صلوات الله وسلامه عليه-.

وروينا مما ذكره القاضى عياض فى «الشفاء» أن أبا الفضل الجوهرى لما ورد إلى المدينة زائرا، وقرب من بيوتها ترجل ومشى باكيا منشدا:

ولما رأينا رسم من لم يدع لنا ... فؤادا لعرفان الرسوم ولا لبا

نزلنا عن الأكوار نمشى كرامة ... لمن بان عنه أن نلم به ركبا

وأنبئت بأن العلامة أبا عبد الله بن رشيد قال: لما قدمنا المدينة سنة أربع وثمانين وستمائة، كان معى رفيقى الوزير أبو عبد الله بن أبى القاسم بن الحكيم، وكان أرمد، فلما دخلنا ذا الحليفة أو نحوها نزلنا عن الأكوار، وقوى الشوق لقرب المزار، فنزل وبادر إلى المشى على قدميه احتسابا لتلك الآثار،