وإعظاما لمن حل تلك الديار، فأحس بالشفاء، فأنشد لنفسه فى وصف الحال لمن حل فى تلك الديار:
ولما رأينا من ربوع حبيبنا ... بيثرب أعلاما أثرن لنا الحبا
وبالترب منها إذ كحلنا جفوننا ... شفينا فلا بأسا نخاف ولا كربا
وحين تبدى للعيون جمالها ... ومن بعدها عنا أذيلت لنا قربا
نزلنا عن الأكوار نمشى كرامة ... لمن حل فيها أن نلم به ركبا
نسح سجال الدمع فى عرصاته ... ونلثم من حب لواطئه التربا
وإن بقائى دونه لخسارة ... ولو أن كفى تملك الشرق والغربا
فيا عجبا ممن يحب بزعمه ... يقيم مع الدعوى ويستعمل الكذبا
وزلات مثلى لا تعدد كثرة ... وبعدى عن المختار أعظمها ذنبا
ولما كنت سائرا لقصد الزيارة فى ربيع الآخر سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة، ولاح لنا عند الصباح جبل مفرح الأرواح المبشر بقرب المزار من أشرف الديار، تسابق الزوار إليه، وتعالوا بالصعود عليه استعجالا لمشاهدة تلك الآثار واقتباسا لمشاهدة تلك الأنوار فبرقت لوامع الأنوار النبوية، وهبت عرف نسمات المعارف المحمدية، فطبنا وغبنا إذ شهدنا أعلام ديار أشرف البرية فأنشدت:
ألا مع برق يغتدى ويروح ... أم النور من أرض الحجاز يلوح
وريح الصبا هبت بطيّب عرفهم ... أم الروض فى وجه الصباح يفوح
إذا ريح ذاك الحى هب فإنها ... حياة لمن يغدو لها ويروح
ترفق بنا يا حادى العيس والتفت ... فللنور بين الواديين وضوح
فما هذه إلا ديار محمد ... وذاك سناها يغتدى ويروح
وإلا فما للركب هاج اشتياقهم ... فكل من الشوق الشديد يصيح
وأنّت مطايا الركب حتى كأنها ... حمام على قضب الأراك تنوح
وقد مدت الأعناق شوقا وطرفها ... إلى النور من تلك الديار لموح
رأت دار من تهوى فزاد اشتياقها ... ومدمعها فى الوجنتين سفوح
إذا العيس باحت بالغرام ولم تطق ... خفاء فما للضب ليس يبوح