ولما قربنا من ديار المدينة وأعلامها، وتدانينا من معاينة رباها الكريمة وآكامها، وانتشقنا عرف لطائف أزهارها، وبدت لنواظرنا بوارق أنوارها، وترادفت واردات المنح والعطايا، ونزل القوم عن المطايا، فأنشدت متمثلا:
أتيتك زائرا وودت أنى ... جعلت سواد عينى أمتطيه
وما لى لا أسير على الماقى ... إلى قبر رسول الله فيه
ولما وقع بصرى على القبر الشريف والمسجد المنيف فاضت من الفرح سوابق العبرات حتى أصابت بعض الثرى والجدرات وقلت:
أيها المغرم المشوق هنيئا ... ما أنالوك من لذيذ التلاق
قل لعينيك تهملان سرورا ... طالما أسعداك يوم الفراق
ومر العين أن تفيض انهمالا ... وتوالى بدمعها المهراق
هذه دارهم وأنت محب ... ما بقاء الدموع فى الآماق
وقلت:
وكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
ويستحب صلاة ركعتين تحية المسجد قبل الزيارة، وهذا إذا لم يكن مروره من جهة وجهه الشريف- صلى الله عليه وسلم-. فإن كان استحبت الزيارة قبل التحية. قال فى «تحقيق النصرة» وهو استدراك حسن. قاله بعض شيوخنا.
وفى منسك ابن فرحون: فإن قلت: المسجد إنما تشرف بإضافته إليه- صلى الله عليه وسلم- فينبغى البداءة بالوقوف عنده- صلى الله عليه وسلم-. قلت: قال ابن حبيب فى أول كتاب الصلاة: حدثنى مطرف عن مالك عن يحيى بن سعيد عن جابر بن عبد الله- رضى الله عنه- قال: قدمت من سفر، فجئت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أسلم عليه وهو بفناء المسجد، فقال:«أدخلت المسجد فصليت فيه؟» قلت: لا، قال: