للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد روى الدارمى عن سعيد بن عبد العزيز قال: لما كان أيام الحرة، لم يؤذن فى مسجد النبى- صلى الله عليه وسلم-، ولم يبرح سعيد بن المسيب من المسجد، وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة يسمعها من قبر النبى- صلى الله عليه وسلم-، وذكر ابن النجار وابن زبالة بلفظ قال سعيد- يعنى ابن المسيب-. فلما حضرت الظهر سمعت الأذان فى القبر، فصليت ركعتين، ثم سمعت الإقامة فصليت الظهر، ثم مضى ذلك الأذان والإقامة فى القبر المقدس لكل صلاة حتى مضت الثلاث ليال، يعنى ليالى أيام الحرة.

وقد روى البيهقى وغيره: من حديث أنس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:

«الأنبياء أحياء فى قبورهم يصلون» «١» . وفى رواية: «أن الأنبياء لا يتركون فى قبورهم بعد أربعين ليلة، ولكنهم يصلون بين يدى الله حتى ينفخ فى الصور» .

وله شواهد فى صحيح مسلم منها: قوله- صلى الله عليه وسلم-: «مررت بموسى وهو قائم يصلى فى قبره» «٢» . وفى حديث أبى ذر فى قصة المعراج: أنه لقى الأنبياء فى السموات، وكلموه وكلمهم «٣» . وقد ذكرت مزيد بيان لذلك فى حجة الوداع من مقصد عباداته، وفى ذكر الخصائص الكريمة فى مقصد معجزاته، وفى مقصد الإسراء والمعراج.

وهذه الصلوات والحج الصادر من الأنبياء ليس على سبيل التكليف، إنما هو على سبيل التلذذ، ويحتمل أن يكونوا فى البرزخ ينسحب عليهم حكم الدنيا فى استكثارهم من الأعمال وزيادة الأجور من غير خطاب بتكليف، وبا لله التوفيق.

وإذا ثبت بشهادة قوله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ


(١) صحيح: أخرجه أبو يعلى عن أنس، كما فى «صحيح الجامع» (٢٧٩٠) .
(٢) صحيح: أخرجه مسلم (٢٣٧٥) فى الفضائل، باب: من فضائل موسى. من حديث أنس بن مالك- رضى الله عنه-.
(٣) انظر المجلد الأول، باب: إسرائه- صلى الله عليه وسلم-.