معجزة، فكان ألم السم يتعاهده إلى أن مات به، ولذا قال فى مرض موته- كما مر-: «ما زالت أكلة خيبر تعادّنى حتى كان الآن قطعت أبهرى»«١» .
والأبهران: عرقان يخرجان من القلب تتشعب منهما الشرايين، كما ذكره فى الصحاح. قال العلماء: فجمع الله له بذلك بين النبوة والشهادة.
انتهى.
وقد اختلف فى محل الوقوف للدعاء. فعند الشافعية أنه قبالة وجهه كما ذكرته، وقال ابن فرحون من المالكية: اختلف أصحابنا فى محل الوقوف للدعاء، ففى الشفاء قال مالك- فى رواية ابن وهب-: إذا سلم على النبى- صلى الله عليه وسلم- يقف للدعاء ووجهه إلى القبر الشريف لا إلى القبلة، وقد سأل الخليفة المنصور مالكا فقال: يا أبا عبد الله، أأستقبل القبلة وأدعو، أم أستقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ فقال مالك: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم- عليه السّلام- إلى الله يوم القيامة. وقال مالك فى «المبسوط» ، لا أرى أن يقف عند القبر يدعو، ولكن يسلم ويمضى. قال ابن فرحون: ولعل ذلك ليس اختلاف قول، وإنما أمر المنصور بذلك لأنه يعلم ما يدعو، ويعلم آداب الدعاء بين يديه- صلى الله عليه وسلم-، فأمن عليه من سوء الأدب فأفتاه بذلك، وأفتى العامة أن يسلموا وينصرفوا، لئلا يدعوا تلقاء وجهه الكريم ويتوسلوا به فى حضرته إلى الله العظيم فيما لا ينبغى الدعاء به، أو فيما يكره أو يحرم، فمقاصد الناس وسرائرهم مختلفة، وأكثرهم لا يقوم باداب الدعاء ولا يعرفها، فلذلك أمرهم مالك بالسلام والانصراف. انتهى.
ورأيت مما نسب للشيخ تقى الدين بن تيمية فى منسكه: ولا يدعو هناك مستقبل الحجرة، ولا يصلى إليها ولا يقبلها، فإن هذا كله منهى عنه باتفاق الأئمة، ومالك من أعظم الأئمة كراهية لذلك، والحكاية المروية عنه أنه أمر المنصور أن يستقبل القبر وقت الدعاء، كذب على مالك، وكذا قال، والله أعلم، انتهى.