لا طيب يعدل تربا ضم أعظمه ... طوبى لمنتشق منه وملتثم
فقال شارحها العلامة ابن مرزوق وغيره: كأنه إشارة إلى النوعين المستعملين فى الطيب، لأنه إما أن يستعمل بالشم، وإليه أشار بقوله «لمنتشق» وإما بالتضمخ وإليها أشار ب «ملتثم» ، قال: وأقل ذلك بتعفير جبهته وأنفه بتربته حال السجود فى مسجده- صلى الله عليه وسلم-، فليس المراد به تقبيل القبر الشريف فإنه مكروه.
ونقل الزركشى عن السيرافى: أن «طوبى» الطيب، قال ابن مرزوق:
طوبى فعلى من أنواع الطيب.
وهذا مبنى على أن المراد أن تربته أفضل أنواع الطيب باعتبار الحقيقة الحسية، وذلك إما لأنه كذلك فى نفس الأمر، أدركه من أدركه أم لا، وإما باعتبار المؤمن فى ذلك فإن المؤمن لا يعدل بشم رائحة تربته- صلى الله عليه وسلم- شيئا من الطيب.
فإن قلت: لو كان المراد الحقيقة الحسية لأدرك ذلك كل أحد.
فالجواب: لا يلزم من قيام المعنى بمحل إدراكه لكل أحد، بل حتى توجد الشرائط وتنتفى الموانع، وعدم الإدراك لا يدل على عدم المدرك، وانتفاء الدليل لا يدل على انتفاء المدلول، فالمزكوم لا يدرك رائحة المسك، مع أن الرائحة قائمة بالمسك لم تنتف عنه.
ولما كانت أحوال القبر من الأمور الآخروية، لا جرم لا يدركها من الأحياء إلا من كشف له الغطاء من الأولياء المقربين، لأن متاع الآخرة باق، ومن فى الدنيا فان، والفانى لا يتمتع بالباقى للتضاد، ولا ريب عند من له أدنى تعلق بشريعة الإسلام أن قبره- صلى الله عليه وسلم- روضة من رياض الجنة، بل أفضلها، وإذا كان القبر كما ذكرناه وقد حوى جسمه الشريف- عليه الصلاة والسلام- هو أطيب الطيب، فلا مرية أنه لا طيب يعدل تراب قبره المقدس.
ويرحم الله أحمد بن محمد العريف حيث يقول فى قصيدته التى أولها: