للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بدعوات، فساخت قوائم فرسه، وطلب الأمان، فقال: أعلم أن قد دعوتما على، فادعوا لى ولكما أن أراد الناس عنكما ولا أضركما. قال: فوقفا لى، فركبت فرسى حتى جئتهما، قال: ووقع فى نفسى حين لقيت ما لقيت أن سيظهر أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فأخبرتهما أخبار ما يريد بهما الناس، وعرضت عليهما الزاد والمتاع فلم يرزآنى «١» .

واجتاز- صلى الله عليه وسلم- فى وجهه ذلك بعبد يرعى غنما، فكان من شأنه ما رويناه من طريق البيهقى بسنده عن قيس بن النعمان قال: لما انطلق النبى صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر مستخفيين، مرا بعبد يرعى غنما، فاستسقياه اللبن فقال: ما عندى شاة تحلب، غير أن هاهنا عناقا حملت عام أول، فما بقى بها لبن، فقال: ادع بها، فاعتقلها- صلى الله عليه وسلم- ومسح ضرعها، ودعا حتى أنزلت، وجاء أبو بكر بمجن فحلب فسقى أبا بكر، ثم حلب فسقى الراعى، ثم حلب فشرب، فقال الراعى: بالله من أنت، فو الله ما رأيت مثلك. فقال: أو تراك تكتم على حتى أخبرك؟ قال نعم، قال: فإنى رسول الله، فقال أنت الذى تزعم قريش أنك صابىء؟ قال: إنهم ليقولون ذلك، قال: فأشهد أنك نبى، وأن ما جئت به حق، وأنه لا يفعل ما فعلت إلا نبى، وأنا متبعك، قال:

إنك لن تستطيع ذلك يومك، فإذا بلغك أنى قد ظهرت فائتنا.

قال الحافظ مغلطاى- بعد ذكره لقصة أم معبد-: وفى الإكليل قصة أخرى شبيهة بقصة أم معبد. قال الحاكم: فلا أدرى أهى هى، أم غيرها.

ولما سمع المسلمون بالمدينة خروج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة ينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودى نفسه فنادى بأعلى صوته يا بنى قيلة هذا


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٣٩٠٦) فى المناقب، باب: هجرة النبى- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.