للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيه عن سعيد- مولى المهرى- أنه جاء إلى أبى سعيد الخدرى ليالى الحرة، فاستشاره فى الجلاء من المدينة، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره أنه لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها، فقال: ويحك. لا آمرك بذلك، إنى سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يصبر أحد على لأوائها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة» . و «اللأواء» : بالمد، الشدة والجوع.

و «أو» فى قوله: «إلا كنت له شفيعا أو شهيدا» الأظهر أنها ليست للشك، لأن هذا الحديث رواه جابر بن عبد الله، وسعد بن أبى وقاص، وابن عمر، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وأسماء بنت عميس، وصفية بنت أبى عبيد، عنه- صلى الله عليه وسلم- بهذا اللفظ، ويبعد اتفاق جميعهم أو رواتهم على الشك وتطابقهم فيه على صيغة واحدة، بل الأظهر أنه قاله- صلى الله عليه وسلم-.

وتكون «أو» للتقسيم، ويكون شهيدا لبعض أهل المدينة وشفيعا لباقيهم، إما شفيعا للعاصين وشهيدا للمطيعين، وإما شهيدا لمن مات فى حياته، وشفيعا لمن مات بعده، أو غير ذلك.

وهذه خصوصية زائدة على الشفاعة للمذنبين أو للعالمين فى القيامة، وعلى شهادته على جميع الأمم، فيكون لتخصيصهم بهذا كله علو مرتبة وزيادة منزلة وحظوة.

وإذا قلنا «أو» للشك، فإن كانت اللفظة الصحيحة «شهيدا» اندفع الاعتراض لأنها زائدة على الشفاعة المدخرة لغيرهم، وإن كانت اللفظة الصحيحة «شفيعا» فاختصاص أهل المدينة بهذا مع ما جاء من عمومها وادخارها لجميع الأمة أن هذه شفاعة أخرى غير العامة، وتكون هذه الشفاعة لأهل المدينة بزيادة الدرجات، أو تخفيف الحساب، وأو بما شاء الله من ذلك، أو بإكرامهم يوم القيامة بأنواع الكرامات لكونهم على منابر، أو فى ظل العرش، أو الإسراع بهم إلى الجنة أو غير ذلك من خصوص الكرامات.

كيف لا يتحمل المشقات من يحب أن يتمتع بسيد أهل الأرض والسماوات، وينال ما وعده به من جزيل المثوبات وجسيم الهبات، وإنجاز