للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أن للقلم فى أرجاء تفضيل المدينة مجالا واسعا ومقالا جامعا، لكن الرغبة فى الاختصار تطوى أطراف بساطه، والرهبة من الإكثار تصرف عن تطويله وإفراطه.

وقد استنبط العارف ابن أبى جمرة من قوله- صلى الله عليه وسلم- المروى فى البخارى «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة» «١» . التساوى بين فضل مكة والمدينة. قال: وظاهر هذا الحديث يعطى التسوية بينهما فى الفضل، لأن جميع الأرض يطؤها الدجال إلا هذين البلدين، فدل على تسويتهما فى الفضل، قال: ويؤيد ذلك أيضا من وجوه النظر: لأنه إن كانت خصت المدينة بمدفنه- صلى الله عليه وسلم- وإقامته بها ومسجده، فقد خصت مكة بمسقطه- صلى الله عليه وسلم- بها ومبعثه منها، وهى قبلته، فمطلع شمس ذاته الكريمة المباركة مكة، ومغربها المدينة، وإقامته بعد النبوة على المشهور من الأقاويل بمكة مثل إقامته- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، عشر سنين فى كل واحدة منهما. كذا قاله.

وأنت إذا تأملت قوله- صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم من حديث سعد «يأتى على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذى نفسى بيده لا يخرج أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيرا منه» «٢» ظهر لك أن فيه إشعارا بذم الخروج من المدينة. بل نقل الشيخ محب الطبرى عن قوم أنه عام أبدا مطلقا، وقال: إنه ظاهر اللفظ.

وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:

«لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتى إلا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا» «٣» .


(١) صحيح: أخرجه البخارى (١٨٨١) فى الحج، باب: لا يدخل الدجال المدينة، ومسلم (٢٩٤٣) فى الفتن، باب: قصة الجساسة، من حديث أنس بن مالك- رضى الله عنه-.
(٢) صحيح: أخرجه مسلم (١٣٨١) فى الحج، باب: المدينة تنفى شرارها. من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.
(٣) صحيح: أخرجه مسلم (١٣٧٨) فى الحج، باب: الترغيب فى سكنى المدينة والصبر على لأوائها. من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.