للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإيمان لما يدل عليه حديث المقداد وغيره: أنهم يتفاوتون فى ذلك بحسب أعمالهم.

وفى رواية عند أبى يعلى، وصححها ابن حبان: إن الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة حتى يقول: يا رب، أرحنى ولو إلى النار «١» . وهو كالصريح فى أن ذلك كله فى الموقف. ومن تأمل الحالة المذكورة، عرف عظيم الهول فيها، وذلك أن النار تحف بأرض الموقف، وتدنو الشمس من الرؤس قدر ميل، فكيف تكون حرارة تلك الأرض، وماذا يرونه من العرق مع أن كل أحد لا يجد إلا قدر موضع قدميه، فكيف يكون حال هؤلاء فى عرقهم مع تنوعهم فيه.

إن هذا لما يبهر العقول، ويدل على عظيم القدرة، ويقتضى الإيمان بأمور الآخرة، وأن ليس للعقل فيه مجال، ولا يعترض على ذلك بعقل ولا قياس ولا عادة، وإنما يؤخذ بالقبول.

فتأمل- رحمك الله- شدة هذا الازدحام والانضمام والاتساق والالتصاق، واجتماع الإنس والجان، ومن يجمع معهم من سائر أصناف الحيوان، وانضغاطهم وتدافعهم واختلاطهم، وقرب الشمس منهم، وما يزاد فى حرها، ويضاعف فى وهجها، ولا ظل إلا ظل عرش ربك بما قدمته، مع ما انضاف إلى ذلك من حر البأس، لتزاحم الناس واحتراق القلوب، لما غشيها من الكروب.

ولا ريب أن هذا موجب لحصول العطش فى ذلك اليوم، وكثرة الالتهاب، والماء ثم أعز موجود، وأعظم مفقود، فلا منهل مورود إلا حوض صاحب المقام المحمود- صلى الله عليه وسلم- وزاده فضلا وشرفا لديه، ولا مشرب لأمته سواه، ولا تبرد أكبادهم إلا به، فالشربة منه كما ورد تروى الظمأ، وتشفى من الصدى. وتذهب بكل داء فلا يظمأ شاربها ولا يسقم بعدها أبدا.


(١) رواه الطبرانى فى الكبير بإسناد جيد، وأبو يعلى، ومن طريقه ابن حبان إلا أنهما قالا: إن الكافر. ورواه البزار والحاكم من حديث الفضل بن عيسى وهو واه عن المنكدر عن جابر، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، قاله المنذرى فى «الترغيب والترهيب» (٤/ ٣٩٠) .