للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك كان حاصلا فى الحال. وقوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «١» يدل على أن يحصل للنبى- صلى الله عليه وسلم- فى ذلك المقام حمد بالغ عظيم كامل، ومن المعلوم أن حمد الإنسان على سعيه فى التخلص عن العقاب أعظم من سعيه فى زيادة من الثواب لا حاجة به إليها، لأن احتياج الإنسان فى دفع الآلام العظيمة عن النفس فوق احتياجه إلى تحصيل المنافع الزائدة التى لا حاجة إلى تحصيلها.

وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من قوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «٢» هو الشفاعة فى إسقاط العذاب على ما هو مذهب أهل السنة.

ولما ثبت أن لفظ الآية مشعر بهذا المعنى إشعارا قويّا. ثم وردت الأخبار الصحيحة فى تقرير هذا المعنى كما فى البخارى من حديث ابن عمر قال:

سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن المقام المحمود فقال: «هو الشفاعة» «٣» . وفيه أيضا عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن الناس يصيرون يوم القيامة جثّى كل أمة تتبع نبيها يقولون: يا فلان اشفع لنا، حتى تنتهى الشفاعة إلىّ فذلك المقام المحمود» «٤» .

فإذا ثبت هذا، فيجب حمل اللفظ عليه قال: ومما يؤكد هذا، الدعاء المشهور: وابعثه مقاما محمودا يغبطه فيه الأولون والآخرون.

ونصب قوله «مقاما» على الظرفية، أى وابعثه يوم القيامة فأقمه مقاما محمودا، أو على أنه مفعول به، وضمن معنى «ابعثه» معنى «أقمه» ، ويجوز أن يكون حالا بعد حال، أى: ابعثه ذا مقام. قال الطيبى: وإنما نكّره لأنه


(١) سورة الإسراء: ٧٩.
(٢) سورة الإسراء: ٧٩.
(٣) أخرجه أحمد (٢/ ٤٧٨) ، من حديث أبى هريرة، وهو عند البخارى بلفظ آخر انظر رقم (٤٧١٨) .
(٤) صحيح: أخرجه البخارى (٤٧١٨) فى تفسير القرآن، باب: قوله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا. من حديث ابن عمر- رضى الله عنهما-.