للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأول: أن البعث ضد الإجلاس، يقال: بعثت البارك والقاعد فانبعث، ويقال بعث الله الميت أى أقامه من قبره، فتفسير البعث بالإجلاس تفسير الضد بالضد وهو فاسد.

والثانى: يوجب أنه تعالى لو كان جالسا على العرش بحيث يجلس عنده محمد- صلى الله عليه وسلم- لكان محمودا متناهيا، ومن كان كذلك فهو محدث تعالى الله علوّا كبيرا.

والثالث: أنه تعالى قال: مَقاماً مَحْمُوداً «١» ولم يقل مقعدا، والمقام موضع القيام، لا موضع القعود.

الرابع: وإذا قيل: السلطان بعث فلانا، فهم منه أنه أرسله إلى قوم لإصلاح مهماتهم، ولا يفهم منه أنه أجلسه مع نفسه، فثبت أن هذا القول ساقط، لا يميل إليه إلا قليل العقل عديم الدين، انتهى.

وتعقب القول الثانى: بأنه تعالى يجلس على العرش كما أخبر جل وعلا عن نفسه المقدسة بلا كيف، وليس إقعاد محمد- صلى الله عليه وسلم- على العرش موجبا له صفة الربوبية، أو مخرجا له عن صفة العبودية، بل هو رفع لمحله وتشريف له على خلقه، وأما قوله «معه» فهو بمنزلة قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ «٢» وقوله: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ «٣» فكل هذا ونحوه عائد على الرتبة والمنزلة والحظوة والدرجة الرفيعة، لا إلى المكان.

وقال شيخ الإسلام أبو الفضل العسقلانى: قول مجاهد «يجلسه معه على العرش» ليس بمدفوع لا من جهة النقل ولا من جهة النظر. وقال ابن عطية: هو كذلك إذا حمل على ما يليق به قال: وبالغ الواحدى فى رد هذا القول. ونقل النقاش عن أبى داود صاحب السنن أنه قال: من أنكر هذا فهو متهم. وقد جاء عن ابن مسعود عند الثعلبى، وعن ابن عباس عند أبى الشيخ


(١) سورة الإسراء: ٧٩.
(٢) سورة الأعراف: ٢٠٦.
(٣) سورة التحريم: ١١.