للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: إن محمدا يوم القيامة يجلس على كرسى الرب بين يدى الرب، فيحتمل أن تكون الإضافة إضافة تشريف، وعلى ذلك يحمل ما جاء عن مجاهد وغيره، ويحتمل أن يكون المراد بالمقام المحمود الشفاعة كما هو المشهور، وأن يكون الإجلاس هى المنزلة المعبر عنها بالوسيلة. كذا قاله بعضهم: ويحتمل أن يكون الإجلاس علامة الإذن فى الشفاعة.

واختلف فى «فاعل» الحمد من قوله تعالى: مَحْمُوداً «١» فالأكثر على أن المراد به أهل الموقف، وقيل النبى- صلى الله عليه وسلم-، أى أنه يحمد عاقبة ذلك المقام بتهجده فى الليل، والأول أرجح لما ثبت من حديث ابن عمر بلفظ:

«مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم» ويجوز أن يحمل على أعم من ذلك، أى: مقاما يحمده القائم فيه وكل من عرفه، وهو مطلق فى كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات، واستحسن هذا أبو حيان، وأيده بأنه نكرة تدل على أنه ليس المراد مقاما مخصوصا. انتهى.

فإن قلت: إذا قلنا بالمشهور، أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة، فأى شفاعة هى؟ فالجواب: إن الشفاعة التى وردت فى الأحاديث، فى المقام المحمود نوعان: النوع الأول: العامة فى فصل القضاء، والثانى: فى الشفاعة فى إخراج المذنبين من النار، لكن الذى يتجه: رد هذه الأقوال كلها إلى الشفاعة العظمى العامة، فإن إعطاءه لواء الحمد، وثناءه على ربه وكلامه بين يديه، وجلوسه على كرسيه كل ذلك صفات للمقام المحمود الذى يشفع فيه ليقضى بين الخلق.

وأما شفاعته فى إخراج المذنبين من النار فمن توابع ذلك، وقد أنكر بعض المعتزلة والخوارج الشفاعة فى إخراج من أدخل النار من المذنبين وتمسكوا بقوله تعالى: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ «٢» وقوله تعالى: ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ «٣» .


(١) سورة الإسراء: ٧٩.
(٢) سورة المدثر: ٤٨.
(٣) سورة غافر: ١٨.