فاعلم- منحنى الله وإياك التمتع بذاته القدسية فى الحضرة الفردوسية- أن الله تعالى قد اتخذ من الجنان دارا اصطفاها لنفسه، وخصها بالقرب من عرشه، وغرسها بيده، فهى سيدة الجنان، والله يختار من كل نوع أعلاه وأفضله، كما اختار من الملائكة جبريل ومن البشر محمدا- صلى الله عليه وسلم-، وربك يخلق ما يشاء ويختار.
وفى الطبرانى من حديث أبى الدرداء قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
«ينزل الله تعالى فى آخر ثلاث ساعات بقين من الليل، فينظر فى الساعة الأولى منهن فى الكتاب الذى لا ينظر فيه غيره، فيمحو الله ما يشاء ويثبت ما يشاء، ثم ينظر فى الساعة الثانية فى جنة عدن، وهى مسكنه الذى يسكن لا يكون معه فيها أحد إلا الأنبياء والشهداء والصالحون والصديقون، وفيها ما لم يره أحد، ولا خطر على قلب بشر، ثم يهبط آخر ساعة من الليل فيقول: ألا مستغفر يستغفرنى فأغفر له، ألا سائل يسألنى فأعطيه، ألا داع يدعونى فأستجيب له، حتى يطلع الفجر»«١» .
وروى أبو الشيخ عن شمر بن عطية قال: خلق الله جنة الفردوس بيده، فهو يفتحها كل يوم خمس مرات فيقول: ازدادى طيبا لأوليائى، ازدادى حسنا لأوليائى.
فتأمل هذه العناية، كيف جعل الجنة التى غرسها بيده لمن خلقه بيده، ولأفضل بريته اعتناء وتشريفا، وإظهارا لفضل ما خلقه بيده وشرفه، وتمييزه بذلك عن غيره.
وروى الدارمى عن عبد الله بن الحارث قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
«خلق الله ثلاثة أشياء بيده، خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده وغرس
(١) صحيح: أصله فى البخارى (١١٤٥) فى الجمعة، باب: الدعاء فى الصلاة من آخر الليل. من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-، ولفظه ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعونى فأستجيب له من يسألنى فأعطيه من يستغفرنى فأغفر له.