للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لمسبباتها، وأن الأعمال الصالحة من توفيق الله تعالى ومنته وصدقته على عبده أن أعانه عليها ووفقه لها، وخلق فيه إرادتها والقدرة عليها، وحببها إليه وزينها فى قلبه، وكره إليه أضدادها، ومع هذا فليست ثمنا لجزائه وثوابه، بل غايتها أن تكون شكرا له تعالى أن قبلها سبحانه، ولهذا نفى- صلى الله عليه وسلم- دخول الجنة بالعمل ردّا على القدرية القائلين بأن الجزاء بمحض الأعمال وثمنا لها، وأثبت سبحانه وتعالى دخول الجنة بالعمل ردّا على الجبرية الذين لم يجعلوا للأعمال ارتباطا بالجزاء. فتبين أنه لا تنافى بينهما، إذ توارد النفى والإثبات ليس على معنى واحد، فالمنفى استحقاقها بمجرد الأعمال، وكون الأعمال ثمنا وعوضا لها ردّا على القدرية، والمثبت الدخول بسبب العمل ردّا على الجبرية، والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.

وقال الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر: يحمل الحديث على أن العمل من حيث هو، عمل لا يستفيد به العامل دخول الجنة ما لم يكن مقبولا. وإذا كان كذلك فأمر القبول إلى الله تعالى، وإنما يحصل برحمة الله لمن يقبل منه، وعلى هذا: فمعنى قوله ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «١» أى تعملونه من العمل المقبول، ولا يضر مع هذا أن تكون «الباء» للمصاحبة أو للإلصاق أو للمقابلة، ولا يلزم من ذلك أن تكون سببية.

قال: ثم رأيت النووى جزم بأن ظاهر الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، والجمع بينها وبين الحديث: أن التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها. وقبولها إنما هو برحمة الله وفضله، فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل، وهو مراد الحديث، ويصح أنه دخل بسبب العمل، وهو من رحمة الله تعالى. انتهى.

وروى الدار قطنى عن أبى أمامة، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «نعم الرجل أنا لشرار أمتى، فقالوا: فكيف أنت لخيارها؟ فقال: أما خيارها


(١) سورة النحل: ٣٢.