قصر باعه فى هذه الصناعة، وكساد سوقه بما لديه من مزجاة البضاعة، وما ابتلى به من شواغل الدنيا الدنية، والعوارض البدنية، وتحمله من الأثقال التى لو حملها رضوى لتضعضع، أو أنزلت على ثبير لخشع وتصدع، لكننى أخذت غفلة الظلام الغاسق، والليل الواسق، فسرقته من أيدى العوائق، والليل يعين السارق، واستفتحت مغاليق المعانى بمفاتيح فتح البارى، واستخرجت من مطالب كنوز العلوم نفائس الدرارى، حامد الله تعالى على ما أنعم وألهم وعلم ما لم أكن أعلم. مصليا مسلما على رسوله محمد أشرف أنبيائه، وأفضل مبلغ لأنبائه، وعلى آله وأصحابه وصفائه صلاة لا ينقطع مددها، ولا يفنى أمدها.
والله أسأل أن ينفع به جيلا بعد جيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل وأستودع الله نفسى ودينى وخواتيم عملى، وما أنعم به على ربى، وهذا الكتاب، وأن ينفعنى به والمسلمين، وأن يردنى وأحبابى إلى الحرمين الشريفين على أحسن وجه وأتمه، وأن يرزقنى الإقامة بهما فى عافية بلا محنة، وأن يطيل عمرى فى طاعته، ويلبسنى أثواب عافيته، ويجمع لى وللمسلمين بين خيرى الدنيا والآخرة، ويصرف عنى سوءهما، ويجعل وفاتى ببلد رسوله، ويمنحنا من المدد المحمدى بما منح به عباده الصالحين مع رضوانه، ويمتعنا بلذة النظر إلى وجهه الكريم من غير عذاب يسبق، فإنه سبحانه إذا استودع شيئا حفظه، والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قال مؤلفه- رحمه الله-: وقد انتهت كتابة النسخة المنقول منها النسخة المباركة النافعة- إن شاء الله تعالى- فى خامس عشر شعبان المكرم سنة تسع وتسعين وثمانمائة، وكان الابتداء فى المسودة المذكورة ثانى يوم قدومى من مكة المشرفة، صبيحة الحاج فى شهر محرم سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، والحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.