قال: قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فو الذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن نلقى عدونا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله تعالى.
فسر- صلى الله عليه وسلم- بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال:«سيروا على بركة الله تعالى وأبشروا، فإن الله قد وعدنى إحدى الطائفتين، والله لكأنى أنظر الآن إلى مصارع القوم» قال ثابت عن أنس- رضى الله عنه- قال- صلى الله عليه وسلم-: «هذا مصرع فلان» ويضع يده على الأرض، هاهنا وهاهنا. قال فما ماط أحدهم- أى ما تنحى- عن موضع يده- عليه الصلاة والسلام- «١» .
تنبيه: قال ابن سيد الناس فى «عيون الأثر» : روينا من طريق مسلم أن
(١) ذكره الحافظ ابن كثير فى «تفسيره» (٢/ ٢٨٩- ٢٩٠) ، وفى «البداية والنهاية» (٢/ ٣٩٥) من طريق ابن إسحاق وأخرج البخارى (٣٩٥٢) منه من حديث ابن مسعود- رضى الله عنه- عنه يقول: شهدت من المقداد مشهدا، لأن أكون صاحبه أحب إلى مما عدل به، أتى النبى صلى الله عليه وسلم- وهو يدعو على المشركين، فقال: لا نقول كما قال قوم موسى: اذهب أنت وربك فقاتلا، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك، فرأيت النبى صلى الله عليه وسلم- أشرق وجهه وسره يعنى قوله. وأخرجه مسلم (١٧٧٩) منه من حديث أنس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شاور حين بلغه إقبال أبى سفيان، قال فتكلم أبو بكر فأعرض عنه ثم تكلم عمر فأعرض عنه فقام سعد بن عبادة فقال: إيانا تريد يا رسول الله، والذى نفسى بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا ... إلى آخر الحديث، إلا أن هناك إشكالا فى قول المتكلم سعد بن عبادة، وهو ممن لم يشهد بدرا وإن كان ممن ضرب له بسهم فيهم، وهنا يقول الحافظ ابن حجر فى «الفتح» (٧/ ٢٨٨) : ويمكن الجمع بأن النبى- صلى الله عليه وسلم- استشارهم فى غزوة بدر مرتين، الأولى وهو بالمدينة أول ما بلغه خبر العير مع أبى سفيان وذلك بين فى رواية مسلم، ولفظه: أن النبى- صلى الله عليه وسلم- شاور حين بلغه إقبال أبى سفيان والثانية: كانت بعد أن فرج كما فى حديث الباب، ووقع عند الطبرانى أن سعد بن عبادة قال ذلك بالحديبية، وهذا أولى بالصواب.