للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن الذى أقول لهم حق. ثم قرأت إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى «١» الآية، فقولها يدل على أنها كانت تنكر ذلك مطلقا، لقولها: إنهم الآن ليعلمون.

وقال قتادة: أحياهم الله تعالى توبيخا وتصغيرا، ونقمة وحسرة.

وفيه رد على من أنكر أنهم يسمعون، كما روى عن عائشة- رضى الله عنها-.

ومن الغريب، أن فى المغازى- لابن إسحاق- من رواية يونس بن بكير، بإسناد جيد عن عائشة حديثا وفيه: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» .

وأخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن. فإن كان محفوظا فكأنها رجعت عن الإنكار، لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة، لكونها لم تشهد القصة.

وقال الإسماعيلى: كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه، لكن لا سبيل إلى رد رواية الثقة إلا بنص مثله، يدل على نسخه أو تخصيصه أو استحالته، فكيف والجمع بين الذى أنكرته وأثبته غيرها ممكن، لأن قوله تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى «٢» . لا ينافى قوله- عليه السّلام-: «إنهم الآن ليسمعون» لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من المسمع فى أذن السامع، فالله تعالى هو الذى أسمعهم بأن أبلغهم صوت النبى- صلى الله عليه وسلم- بذلك. وأما جوابها بأنه إنما قال: إنهم ليعلمون، فإن كانت سمعت ذلك فلا ينافى رواية يسمعون بل يؤيدها.

وقال السهيلى ما محصله: إن فى نفس الخبر ما يدل على خرق العادة بذلك لنبيه- صلى الله عليه وسلم- لقول الصحابة له: أتخاطب أقواما قد جيفوا؟! فأجابهم بما أجابهم. قال: وإذا جاز أن يكونوا فى تلك الحالة عالمين جاز أن يكونوا سامعين، وذلك إما باذان رؤسهم إذا قلنا إن الروح تعاد إلى الجسد، أو إلى بعضه عند المسألة، وهو قول أكثر أهل السنة، وإما باذان القلب أو الروح على مذهب من يقول بتوجه السؤال إلى الروح من غير رجوع إلى الجسد أو إلى بعضه.


(١) سورة النمل: ٨٠.
(٢) سورة النمل: ٨٠.