للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وقد روى عن عائشة أنها احتجت بقوله تعالى: وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ «١» . وهذه الآية كقوله تعالى: أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ «٢» . أى إن الله هو الذى يهدى ويوفق ويوصل الموعظة إلى آذان القلوب لا أنت. وجعل الكفار أمواتا وصمّا على جهة التشبيه بالأموات وبالصم، فالله هو الذى يسمعهم على الحقيقة إذا شاء، لا نبيه ولا أحد، فإذا لا تعلق بالآية من وجهين:

أحدهما: أنها إنما نزلت فى دعاء الكفار إلى الإيمان.

الثانى: أنه إنما نفى عن نبيه أن يكون هو المسمع لهم، وصدق الله فإنه لا يسمعهم إذا شاء إلا هو، يفعل ما يشاء وهو على كل شىء قدير. انتهى ولقد أحسن العلامة ابن جابر حيث قال:

بدا يوم بدر وهو كالبدر حوله ... كواكب فى أفق الكواكب تنجلى

وجبريل فى جند الملائك دونه ... فلم تغن أعداد العدو المخذل

رمى بالحصى فى أوجه القوم رمية ... فشردهم مثل النعام المجفل

وجاد لهم بالمشرفى فسلموا ... فجاد له بالنفس كل مجندل

عبيدة سل عنهم وحمزة واستمع ... حديثهم فى ذلك اليوم من على

فهم عتبوا بالسيف عتبة إذ غدا ... فذاق الوليد الموت ليس له ولى

وشيبة لما شاب خوفا تبادرت ... إليه العوالى بالخضاب المعجل

وجال أبو جهل فحقق جهله ... غداة تردى بالردى عن تذلل

فأضحى قليبا فى القليب وقومه ... يؤمونه فيها إلى شر منهل

وجاء لهم خير الأنام موبخا ... ففتح من أسماعهم كل مقفل

وأخبر ما أنتم بأسمع منهم ... ولكنهم لا يهتدون لمقول

سلا عنهم يوم السلا إذ تضاحكوا ... فعاد بكاء عاجلا لم يؤجل

ألم يعلموا علم اليقين بصدقه ... ولكنهم لا يرجعون لمعقل


(١) سورة فاطر: ٢٢، ٢٣.
(٢) سورة الزخرف: ٤٠.