للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفهم من النبى- صلى الله عليه وسلم- تحتم محو علىّ نفسه، ولهذا لم ينكر عليه، ولو حتم محوه لنفسه لم يجز لعلى تركه انتهى.

ثم قال- صلى الله عليه وسلم-: «أرنى مكانها» فأراه مكانها فمحاها وكتب: ابن عبد الله.

وفى رواية البخارى- فى المغازى- فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكتاب وليس يحسن يكتب- فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله «١» .

وكذا أخرجه النسائى وأحمد ولفظه: فأخذ الكتاب- وليس يحسن أن يكتب- فكتب مكان رسول الله: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله.

قال فى فتح البارى: وقد تمسك بظاهر هذه الرواية أبو الوليد الباجى.

فادعى أن النبى- صلى الله عليه وسلم- كتب بيده بعد أن لم يكن يحسن أن يكتب.

فشنع عليه علماء الأندلس فى زمانه ورموه بالزندقة، وأن الذى قاله يخالف القرآن حتى قال قائلهم:

برئت ممن شرى دنيا باخرة ... وقال إن رسول الله قد كتبا

فجمعهم الأمير فاستظهر الباجى عليهم بما لديه من المعرفة وقال الأمير:

فهذا لا ينافى القرآن، بل يؤخذ من مفهوم القرآن، لأنه قيد النفى بما قبل ورود القرآن، قال تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ «٢» وبعد أن تحققت أميته وتقررت بذلك معجزته، وأمن الارتياب فى ذلك، لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك من غير تعليم، فيكون معجزة أخرى.

وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجى على ذلك، منهم شيخه أبو ذر الهروى وأبو الفتح النيسابورى وآخرون من علماء إفريقية.

واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه ابن أبى شيبة وعمر بن شبة من طريق


(١) صحيح: وهى رواية البخارى (٢٦٩٩) فيما تقدم.
(٢) سورة العنكبوت: ٤٨.