بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطى الدنية فى ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل، إنه رسول الله، وليس يعصى ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فو الله إنه على الحق. قلت: أو ليس كان يحدثنا أنا سنأتى البيت فنطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟
قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به) «١» .
قال العلماء: لم يكن سؤال عمر- رضى الله عنه- وكلامه المذكور شكّا، بل طلبا لكشف ما خفى عليه، وحثّا على إذلال الكفار، وظهور الإسلام، كما عرف فى خلقه وقوته فى نصرة الدين، وإذلال المبطلين.
وأما جواب أبى بكر لعمر- رضى الله عنهما- بمثل جواب النبى- صلى الله عليه وسلم- فهو من الدلائل الظاهرة على عظم فضله وبارع علمه، وزيادة عرفانه ورسوخه، وزيادته فى ذلك على غيره.
وكان الصلح بينهم عشر سنين، كما فى السير، وأخرجه أبو داود من حديث ابن عمر.
ولأبى نعيم فى مسند عبيد الله بن دينار كانت أربع سنين. وكذا أخرجه الحاكم فى البيوع من المستدرك. والأول أشهر.
وكان الصلح على وضع الحرب، بحيث يأمن الناس فيها، ويكف بعضهم عن بعض، وألايدخل البيت إلا العام القابل ثلاثة أيام، ولا يدخلوها إلا بجلبان السلاح، وهو القراب بما فيه. والجلبان- بضم الجيم وسكون اللام- شبه الجراب من الأدم، يوضع فيه السيف مغمودا. ورواه القتيبى: بضم الجيم واللام وتشديد الباء، وقال: هو أوعية السلاح بما فيها.
وفى بعض الروايات: لا يدخلها إلا بجلبان السلاح: السيف والقوس.
وإنما اشترطوا ذلك ليكون علما وأمارة للسلم، إذ كان دخولهم صلحا.