والوجه الثانى: إنما رده لأبيه، والغالب أن أباه لا يبلغ به إلى الهلاك.
وإن عذبه أو سجنه فله مندوحة بالتقية أيضا.
وأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله تعالى يبتلى به صبر عبادة المؤمنين.
واختلف العلماء: هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يرد إليهم من جاء مسلما من عندهم، أم لا؟.
فقيل: نعم، على ما دلت عليه قصة أبى جندل وأبى بصير.
وقيل: لا، وإن الذى وقع فى القصة منسوخ. وإن ناسخه حديث «أنا برىء من مسلم بين مشركين»«١» وهو قول الحنفية.
وعند الشافعية: تفصيل بين العاقل والمجنون والصبى، فلا يردان. وقال بعض الشافعية: ضابط جواز الرد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب. والله أعلم. قاله فى فتح البارى.
قال فى رواية البخارى: (فقال عمر بن الخطاب: فأتيت النبى- صلى الله عليه وسلم- فقلت: ألست نبى الله حقّا؟ قال:«بلى» ، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال:«بلى» ، قلت: فلم نعطى الدنية فى ديننا إذا؟ قال:«إنى رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصرى» . قلت: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتى البيت فنطوف به؟ قال:«بلى» ، «أفأخبرتك أنا نأتيه العام؟» قلت:
لا، قال:«فإنك آتيه ومطوف به» .
قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبى الله حقّا؟ قال:
(١) صحيح: أخرجه أبو داود (٢٦٤٥) فى الجهاد، باب: النهي عن قتل من اعتصم بالسجود، والترمذى (١٦٠٤) فى السير، باب: ما جاء فى كراهية المقام بين أظهر المشركين، من حديث جرير بن عبد الله- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .