للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذ فى ذلك تطويل يفضى بنا إلى العدول عن عرض الاختصار، فلنذكر من ذلك ما يفتح الله تعالى به مما يدل على سواه. وبالله تعالى أستعين.

فأول ذلك ما له- عليه الصلاة والسلام- من معنى الحمد الذى هو اسمه المنبىء عن ذاته، الذى سائر أسماء أوصافه راجعة إليه، وهو فى المعنى واحد، وله فى الاشتقاق صيغتان:

الاسم المبنى صيغته على صيغة «أفعل» المنبئة عن الانتهاء إلى غاية ليس وراءها منتهى، وهو اسمه «أحمد» .

والاسم المبنى على صيغة «التفعل» المنبئة عن التضعيف والتكثير إلى عدد لا ينتهى له الإحصاء وهو اسمه «محمد» .

قال السهيلى: «محمد» منقول من الصفة، فالحمد فى اللغة هو الذى يحمد حمدا بعد حمد، ولا يكون «مفعّل» مثل: مضرب، وممدح، إلا لمن تكرر منه الفعل مرة بعد أخرى.

وأما «أحمد» وهو اسمه- عليه الصلاة والسلام- الذى سمى به على لسان عيسى وموسى، فإنه منقول أيضا من الصفة التى معناها التفضيل، فمعنى «أحمد» أحمد الحامدين لربه، وكذلك هو فى المعنى، لأنه يفتح عليه فى المقام المحمود بمحامد لم تفتح على أحد قبله، فيحمد ربه بها، ولذلك يعقد له لواء الحمد.

قال: وأما «محمد» فمنقول من صفة أيضا، وهو فى معنى «محمود» .

ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار، فالمحمد هو الذى حمد مرة بعد مرة، كما أن المكرّم من أكرم مرة بعد أخرى، وكذلك الممدح ونحو ذلك. فاسم «محمد» مطابق لمعناه، والله سبحانه وتعالى سماه به قبل أن يسمى به، علم من أعلام نبوته- عليه الصلاة والسلام-، إذ كان اسمه صادقا عليه، فهو صلى الله عليه وسلم- محمود فى الدنيا بما هدى إليه ونفع به من العلم والحكمة.

وهو محمود فى الآخرة بالشفاعة، فقد تكرر معنى الحمد، كما يقتضيه اللفظ.