للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إنه لم يكن محمدا حتى كان أحمد، حمد ربه فنبأه وشرفه، فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذى هو محمد، فذكره عيسى فقال اسْمُهُ أَحْمَدُ «١» وذكره موسى حين قال له ربه: تلك أمة أحمد، فقال: اللهم اجعلنى من أمة أحمد. فبأحمد ذكر قبل أن يذكر بمحمد، لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له، فلما وجد وبعث كان محمدا أيضا بالفعل. وكذلك فى الشفاعة، يحمد ربه بالمحامد التى يفتحها عليه، فيكون أحمد الحامدين لربه، ثم يشفع فيحمد على شفاعته.

فانظر كيف ترتب هذا الاسم قبل الاسم الآخر فى الذكر والوجود، وفى الدنيا والآخرة، تلح لك الحكمة الإلهية فى تخصيصه بهذين الاسمين.

انتهى.

وقال القاضى عياض: كان- عليه الصلاة والسلام- أحمد قبل أن يكون محمدا، كما وقع فى الوجود، لأن تسميته أحمد وقعت فى الكتب السالفة، وتسميته محمدا وقعت فى القرآن، وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمده الناس.

انتهى.

وهذا موافق لما قال السهيلى، وذكره فى فتح البارى وأقره عليه، وهو يقتضى سبقية اسمه أحمد، خلافا لما ادعاه ابن القيم «٢» .

وذكر ابن القيم فى اسمه «أحمد» أنه قيل فيه إنه بمعنى «مفعول» ويكون التقدير: أحمد الناس، أى أحق الناس وأولاهم أن يحمد، فيكون محمدا فى المعنى، لكن الفرق بينهما: أن محمدا هو الكثير الخصال التى يحمد عليها، وأحمد: هو الذى يحمد أفضل مما يحمد غيره، فمحمد فى الكثرة والكمية، وأحمد فى الصفة والكيفية، فيستحق من الحمد أكثر مما يستحق غيره، أى أفضل حمد حمده البشر، فالاسمان واقعان على المفعول.

قال: وهذا أبلغ فى مدحه وأكمل معنى، فلو أريد معنى الفاعل لسمى


(١) سورة الصف: ٦.
(٢) قاله فى «زاد المعاد» (١/ ٨٩) .