الهجرة، وأنه- صلى الله عليه وسلم- كان قادرا على الحج فى سنة ثمان، وفى سنة تسع، ولم يحج إلا فى سنة عشر، وسيأتى فى حجه- صلى الله عليه وسلم- من مقصد عباداته مزيد لذلك إن شاء الله تعالى.
فإن قلت كيف قال- صلى الله عليه وسلم- آمركم بأربع، والمذكورات خمس؟ قلت أجاب القاضى [عياض]«١» تبعا لابن بطال: بأن الأربع، ما عدا أداء الخمس، قال: وكأنه أراد إعلامهم بقواعد الإيمان وفروض الأعيان، ثم أعلمهم بما يلزمهم إخراجه إذا وقع لهم جهاد، لأنهم كانوا بصدد محاربة كفار مضر، ولم يقصد إلى ذكرها بعينها لأنها مسببة عن الجهاد، ولم يكن الجهاد إذ ذاك فرض عين. قال: ولذلك لم يذكر الحج لأنه لم يكن فرض.
وقال غيره: وقوله «وأن تعطوا» معطوف على قوله «بأربع» أى: آمركم بأربع وبأن تعطوا، ويدل عليه العدول عن سياق الأربع والإتيان: بأن والفعل، مع توجيه الخطاب إليهم.
وقال القاضى أبو بكر بن العربى: يحتمل أن يقال: إنه- صلى الله عليه وسلم- عد الصلاة والزكاة واحدة لأنها قرينتها فى كتاب الله، وتكون الرابعة أداء الخمس، أو أنه لم يعد الخمس لأنه داخل فى عموم إيتاء الزكاة والجامع بينهما: أنه إخراج مال معين.
وقال البيضاوى: الظاهر أن الأمور الخمسة هنا تفسير للإيمان، وهو أحد الأربعة الموعود بذكرها، والثلاثة الآخرى حذفها الراوى اختصارا أو نسيانا.
وتعقب بأنه وقع فى صحيح البخارى أيضا فى رواية:«آمركم بأربع:
شهادة ألاإله إلا الله، وعقد واحدة» فدل على أن الشهادة إحدى الأربع.
وقال القرطبى: قيل إن أول الأربع المأمور بها: إقام الصلاة، وإنما ذكر الشهادتين تبركا، وإلى هذا نحا الطيبى، فقال عادة البلغاء أن الكلام إذا كان منصوبا لغرض جعلوا سياقه له، وطرحوا ما عداه، وهنا لم يكن الغرض فى
(١) فى الأصل عبد الوهاب، والصواب ما أثبتناه نقلا عن «فتح البارى» للحافظ ابن حجر (١/ ١٣٣) المصدر المنقول منه.