للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنفختهما فطارا، فأولتهما: كذابين يخرجان من بعدى، فهذان هما: أحدهما العنسى صاحب صنعاء والآخر مسيلمة» «١» .

فإن قلت: كيف يلتئم خبر ابن إسحاق مع الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم- اجتمع به وخاطبه، وصرح بحضرة قومه أنه لو سأله القطعة من الجريدة ما أعطاه.

فالجواب: إن المصير إلى ما فى الصحيح أولى.

ويحتمل أن يكون مسيلمة قدم مرتين، الأولى كان تابعا وكان رئيس بنى حنيفة غيره، ولهذا أقام فى حفظ رحالهم، ومرة متبوعا، وفيها خاطبه النبى صلى الله عليه وسلم-.

أو القصة واحدة، وكانت إقامته فى رحالهم باختياره أنفة منه واستكبارا أن يحضر مجلس النبى- صلى الله عليه وسلم-، وعامله- صلى الله عليه وسلم- معاملة الكرم على عادته فى الاستئلاف فقال لقومه: «إنه ليس بشركم» أى مكانا، لكونه يحفظ رحالهم، وأراد استئلافه بالإحسان بالقول والفعل، فلما لم يفد فى مسيلمة توجه بنفسه إليه ليقيم عليه الحجة ويعذر إليه بالإنذار. والعلم عند الله تعالى.

وقدم عليه- صلى الله عليه وسلم- وفد طىء «٢» وفيهم زيد الخيل وهو سيدهم، فعرض عليهم الإسلام فأسلموا وحسن إسلامهم. وقال- صلى الله عليه وسلم-: «ما ذكر لى رجل من العرب بفضل ثم جاءنى إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا زيد الخيل، فإنه لم يبلغ كل ما فيه» ثم سماه زيد الخير. فخرج راجعا إلى قومه، فلما انتهى إلي ماء من مياه نجد أصابته الحمى بها فمات «٣» .

قال ابن عبد البر: وقيل مات فى آخر خلافة عمر. وله ابنان: مكنف


(١) صحيح أخرجه البخارى (٤٣٧٤) فى المغازى، باب: وفد بنى حنيفة، ومسلم (٢٢٧٣) فى الرؤيا، باب: رؤيا النبى- صلى الله عليه وسلم-.
(٢) انظر «السيرة النبوية» لابن هشام (٢/ ٥٧٧- ٥٧٨) ، وابن سعد فى «طبقاته» (١/ ٣٢١) ، وابن القيم فى «زاد المعاد» (٣/ ٦١٦) .
(٣) أخرجه البيهقى فى «دلائل النبوة» (٥/ ٣٣٧) .