خلق الله القلم، وهو أثبت من حديث العقل. ولأبى الشيخ عن قرة بن إياس المزنى رفعه:«الناس يعملون الخير وإنما يعطون أجورهم على قدر عقولهم»«١» .
وقد اختلف فى ماهية العقل اختلافا طويلا يطول استقصاؤه. وفى القاموس ومن خط مؤلفه نقلت: العقل العلم، أو بصفات الأشياء من حسنها وقبحها وكمالها ونقصانها، أو العلم بخير الخيرين وشر الشرين، أو يطلق لأمور لقوة بها يكون التمييز بين القبيح والحسن، ولمعان مجتمعة فى الذهن تكون بمقدمات يستثبت بها الأغراض والمصالح، ولهيئة محمودة للإنسان فى حركاته وكلماته، والحق أنه روحانى به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية، وابتداء وجوده عند اجتنان الولد، ثم لا يزال ينمو إلى أن يكمل عند البلوغ. انتهى.
وقد كان- صلى الله عليه وسلم- من كمال العقل فى الغاية القصوى التى لم يبلغها بشر سواه، ولهذا كانت معارفه عظيمة وخصائصه جسيمة، حارت العقول فى بعض فيض ما أفاضه من غيبه لديه، وكلّت الأفكار فى معرفة بعض ما أطلعه الله عليه، وكيف لا يعطى ذلك وقد امتلأ قلبه وباطنه وفاض على جسده المكرم ما وهبه من أسرار إلهيته ومعرفة ربوبيته وتحقق عبوديته. قال وهب بن منبه: قرأت فى أحد وسبعين كتابا، فوجدت فى جميعها أن الله تعالى لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل فى جنب عقله- صلى الله عليه وسلم- إلا كحبة رمل بين رمل من جميع رمال الدنيا، وإن محمدا أرجح الناس عقلا وأفضلهم رأيا. رواه أبو نعيم فى الحلية وابن عساكر.
وعن بعضهم مما هو فى عوارف المعارف: اللب والعقل مائة جزء، تسعة وتسعون فى النبى- صلى الله عليه وسلم- وجزء فى سائر المؤمنين، ومن تأمل حسن تدبيره للعرب الذين هم كالوحش الشادر، والطبع المتنافر والمتباعد، وكيف ساسهم واحتمل جفاءهم وصبر على أذاهم إلى أن انقادوا إليه، واجتمعوا عليه،
(١) ضعيف: أخرجه أبو الشيخ، كما فى «كنز العمال» (٧٠٥٢) .