للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عرفتها فى وجه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما:

يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، فقد اختبرتهما، فأشهدك أنى قد رضيت بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيّا «١» .

وعن أبى هريرة قال حدثنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوما ثم قام، فقمنا حين قام فنظرنا إلى أعرابى قد أدركه فجبذه بردائه فحمر رقبته، وكان رداء خشنا، فالتفت إليه فقال له الأعرابى: احملنى على بعيرى هذين، فإنك لا تحملنى من مالك ولا من مال أبيك، فقال له- صلى الله عليه وسلم-: «لا، وأستغفر الله، لا وأستغفر الله، لا وأستغفر الله، لا أحملك حتى تقيدنى من جبذتك التى جبذتنى» ، فكل ذلك يقول له الأعرابى: والله لا أقيدكها، فذكر الحديث، قال: ثم دعا رجلا فقال له: «احمل له على بعيريه هذين على بعير تمرا وعلى الآخر شعيرا» «٢» رواه أبو داود.

ورواه البخارى من حديث أنس بلفظ: كنت أمشى مع النبى- صلى الله عليه وسلم- وعليه برد نجرانى غليظ الحاشية فأدركه أعرابى فجبذ بردائه جبذة شديدة، قال أنس: فنظرت إلى صفحة عاتقه وقد أثرت فيه حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لى من مال الله الذى عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء «٣» .

وفى هذا بيان حلمه- صلى الله عليه وسلم- وصبره على الأذى فى النفس والمال، والتجاوز عن جفاء من يريد تألفه على الإسلام، وعن عائشة لم يكن النبى


(١) أخرجه ابن حبان فى «صحيحه» (٢٨٨) ، والحاكم فى «المستدرك» (٣/ ٧٠٠) ، والطبرانى فى «الكبير» (٥/ ٢٢٢) .
(٢) ضعيف: أخرجه أبو داود (٤٧٧٥) فى الأدب، باب: فى الحلم وأخلاق النبى- صلى الله عليه وسلم-، والنسائى (٨/ ٣٣) فى القسامة، باب: القود من الجبذة، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن أبى داود» .
(٣) صحيح: أخرجه البخارى (٣١٤٩) فى فرض الخمس، باب: ما كان النبى- صلى الله عليه وسلم- يعطى المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس وغيره، ومسلم (١٠٥٧) فى الزكاة، باب: إعطاء من سأل بفحش وغلظة.