واعلم أن الصبر على الأذى جهاد النفس، وقد جبل الله تعالى النفس على التألم بما يفعل بها، ولهذا شق عليه- صلى الله عليه وسلم- نسبتهم له إلى الجور فى القسمة، لكنه- عليه السّلام- حلم على القائل وصبر، لما علم من جزيل ثواب الصابر وأن الله يأجره بغير حساب. وصبره- صلى الله عليه وسلم- على الأذى إنما هو فيما كان من حق نفسه، وأما إذا كان الله فإنه يمتثل فيه أمر الله تعالى من الشدة كما قال له تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ «١» وقد وقع له- صلى الله عليه وسلم- أنه غضب لأسباب مختلفة مرجعها إلى أن ذلك كان فى أمر الله، وأظهر الغضب فيها ليكون أوكد فى الزجر. فصبره وعفوه إنما كان فيما يتعلق بنفسه الشريفة- صلى الله عليه وسلم-.
وقد روى الطبرانى وابن حبان والحاكم والبيهقى عن زيد بن سعنة- بالمهملة والنون المفتوحتين، كما قيده به عبد الغنى وذكره الدار قطنى: وبالمثناة التحتية، ثبت فى الشفاء وصحح عليه مؤلفه بخطه، وهو الذى ذكره ابن إسحاق، وهو كما قاله النووى: أجل أحبار اليهود الذين أسلموا- أنه قال:
لم يبق من علامات النبوة شىء إلا وقد عرفته فى وجه محمد حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما. فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله، فابتعت منه تمرا إلى أجل فأعطيته الثمن، فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه، ونظرت إليه بوجه غليظ ثم قلت:
ألا تقضينى يا محمد حقى، فو الله إنكم يا بنى عبد المطلب مطل، فقال عمر:
أى عدو الله، أتقول لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما أسمع فو الله لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفى رأسك، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينظر إلى عمر فى سكون وتؤدة وتبسم ثم قال:«أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، أن تأمرنى بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر فاقضه حقه وزده عشرين صاعا مكان ما رعته» ، ففعل، فقلت: يا عمر، كل علامات النبوة قد