للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال النووى: قيل إنما أعطاه قميصه وكفنه فيه تطييبا لقلب ابنه، فإنه كان صحابيّا صالحا وقد سأل ذلك فأجابه إليه، وقيل مكافأة لعبد الله المنافق الميت، لأنه كان ألبس العباس حين أسر يوم بدر قميصا. وفى ذلك كله بيان عظيم مكارم أخلاق النبى- صلى الله عليه وسلم-، فقد علم ما كان من هذا المنافق من الإيذاء، وقابله بالحسنى فألبسه قميصه كفنا وصلى عليه واستغفر له، قال الله تعالى وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ «١» .

ومن ذلك أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يؤاخذ لبيد بن الأعصم إذ سحره. وعفا عن اليهودية التى سمته فى الشاة على الصحيح من الرواية. والله تعالى يرحم القائل:

وما الفضل إلا خاتم أنت فصه ... وعفوك نقش الفص فاختم به عذرى

ومن ذلك إشفاقه- صلى الله عليه وسلم- على أهل الكبائر من أمته، وأمره إياهم بالستر، فقال: «من بلى بهذه القاذورات» يعنى المحرمات «فليستتر» «٢» .

وأمر أمته أن يستغفروا للمحدود ويترحموا عليه لما حنقوا عليه فسبوه ولعنوه، فقال: «قولوا اللهم اغفر له، اللهم ارحمه» «٣» وقال لهم فى رجل كان كثيرا ما يؤتى به سكران بعد تحريم الخمر، فلعنوه مرة فقال: «لا تلعنوه فإنه يحب الله ورسوله» «٤» . فأظهر لهم مكتوم قلبه لما رفضوه بظاهر فعله، وإنما ينظر الله إلى القلوب، طهر الله قلوبنا وغفر عظيم ذنوبنا. ومن ذلك ما رواه الدار قطنى من حديث عائشة عن النبى- صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصغى إلى الهرة الإناء حتى تشرب ثم يتوضأ بفضلها «٥» .


(١) سورة القلم: ٤.
(٢) ضعيف: أخرجه مالك فى «الموطأ» (٢/ ٨٢٥) عن زيد بن أسلم مرسلا.
(٣) صحيح: أخرجه أبو داود (٤٤٧٧) فى الحدود، باب: الحد فى الخمر، وأحمد فى «المسند» (٢/ ٢٩٩) من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
(٤) صحيح: أخرجه البخارى (٦٧٨٠) فى الحدود، باب: ما يكره من لعن شارب الخمر وإنه ليس بخارج من الملة، من حديث عمر بن الخطاب- رضى الله عنه-.
(٥) إسناده ضعيف: أخرجه الدار قطنى (١/ ٦٦) بسند فيه عبد الله بن سعيد المقبرى، ضعيف.