للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك ينتهكون حرمات الله. وقيل: أراد أنه لا ينتقم إذا أوذى فى غير السبب الذى يخرج إلى الكفر، كما عفا عن الأعرابى الذى جفا فى رفع صوته عليه، وعن الآخر الذى جبذ بردائه حتى أثر فى كتفه. وحمل الداودى عدم الانتقام على ما يختص بالمال، وأما العرض فقد اقتص ممن نال منه.

وقد أخرج الحاكم هذا الحديث من طريق معمر عن الزهرى مطولا، وأوله: ما لعن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسلما بذكر- أى بصريح اسمه- وما ضرب بيده شيئا قط إلا أن يضرب فى سبيل الله، ولا سئل شيئا قط فمنعه إلا أن يسأل مأثما، ولا انتقم لنفسه من شىء إلا أن تنتهك حرمات الله فيكون لله ينتقم «١» . الحديث. ومما روى من اتساع خلقه وحلمه- صلى الله عليه وسلم-، اتساع خلقه لطائفة المنافقين، الذين كانوا يؤذونه إذا غاب ويتملقون له إذا حضر، وذلك مما تنفر منه النفوس البشرية حتى تؤيدها العناية الربانية.

وكان- صلى الله عليه وسلم- كلما أذن له فى التشديد عليهم فتح لهم- صلى الله عليه وسلم- بابا من الرحمة، فكان يستغفر لهم ويدعو لهم، حتى أنزل الله عليه اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ «٢» ، فقال- صلى الله عليه وسلم-: «خيرنى ربى فاخترت أن أستغفر لهم» ولما قال تعالى إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ «٣» ، فقال- صلى الله عليه وسلم-: «لأزيدن على السبعين» «٤» وأمر ولد الذى تولى كبر النفاق والأذى منهم ببر أبيه، ولما مات كفنه فى ثوبه خلعه عن بدنه وصلى عليه، هذا وعمر ابن الخطاب- رضى الله عنه- يجذبه بثوبه ويقول: يا رسول الله أتصلى على رأس المنافقين؟ فنتر ثوبه من عمر وقال: «إليك عنى يا عمر» «٥» . فخالف مؤمنا وليّا فى حق منافق عدو، وكل ذلك رحمة منه لأمته، أشار إليه الحرالى.


(١) أخرجه الحاكم فى «المستدرك» (٢/ ٦٧٠) ، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(٢) سورة التوبة: ٨٠.
(٣) سورة التوبة: ٨٠.
(٤) صحيح: أخرجه البخارى (٤٦٧٠) فى التفسير، باب: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ الآية، ومسلم (٢٤٠٠) فى فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر- رضى الله عنه-، من حديث ابن عمر- رضى الله عنهما- بنحوه.
(٥) انظر ما قبله.