للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان- صلى الله عليه وسلم- يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم ويؤنسهم. ويأخذ معهم فى تدبير أمورهم، ويداعب صبيانهم ويجلسهم فى حجره، ومع ذلك سره فى الملكوت يجول حيث أراد الله به. والدعابة: - بضم الدال وتخفيف العين المهملتين وبعد الألف موحدة- هى الملاطفة فى القول بالمزاح وغيره.

وقد أخرج الترمذى وحسنه من حديث أبى هريرة؛ قالوا: يا رسول الله، إنك تداعبنا، قال: «إنى لا أقول إلا حقّا» «١» .

وما ورد عنه- صلى الله عليه وسلم- فى النهى عن المداعبة محمول على الإفراط، لما فيه من الشغل عن ذكر الله والتفكر فى مهمات الدين وغير ذلك. والذى يسلم من ذلك هو المباح، فإن صادف مصلحة مثل تطييب نفس المخاطب- كما كان هو فعله- صلى الله عليه وسلم- فهو مستحب. وقال أنس: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلقا، وكان لى أخ يقال له: أبو عمير، وكان له نغر يلعب به فمات، فدخل على النبى- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فرآه حزينا فقال: «ما شأنه» قالوا:

مات نغره، فقال: «يا أبا عمير ما فعل النغير» «٢» . رواه البخارى ومسلم.

وفى رواية الترمذى قال أنس: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليخالطنا حتى يقول لأخ لى صغير «يا أبا عمير ما فعل النغير» . قال الجوهرى: النغير: تصغير نغر، والنغر جمع النغرة وهو طائر صغير كالعصفور، والجمع نغران مثل صرد وصردان.

وكان قد ألقى عليه مع الدعابة المهابة، ولقد جاء إليه- صلى الله عليه وسلم- رجل فقام بين يديه فأخذته رعدة شديدة ومهابة، فقال له: «هون عليك، فإنى لست بملك ولا جبار إنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد بمكة» فنطق الرجل بحاجته، فقام- صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا أيها الناس إنى أوحى إلى أن تواضعوا، ألا فتواضعوا حتى لا يبغى أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد، وكونوا عباد


(١) صحيح: أخرجه الترمذى (١٩٩٠) فى البر والصلة، باب: ما جاء فى المزاح، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (٢٥٠٩) .
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٦١٢٩) فى الأدب، باب: الانبساط إلى الناس، ومسلم (٢١٥٠) فى الأداب، باب: استحباب تحنيك المولود عند ولادته، من حديث أنس- رضى الله عنه-.