للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله إخوانا» «١» . فسكن- صلى الله عليه وسلم- روعه شفقة، لأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، وسلب عنه وصف الملوكية بقوله: «فإنى لست بملك» لما يلزمها من الجبروتية، وقال: «إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد» «٢» تواضعا، لأن القديد مفضول، وهو مأكول المتمسكنة. ولما رأته- صلى الله عليه وسلم- قيلة بنت مخرمة فى المسجد، وهو قاعد القرفصاء، ارتعدت من الفرق «٣» رواه أبو داود. وروى مسلم عن عمرو بن العاصى قال: صحبت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ما ملأت عينى منه قط حياء منه وتعظيما له، ولو قيل لى صفه لما قدرت «٤» ، أو كما قال.

وإذا كان هذا قوله وهو من أجلة الصحابة، ولولا أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يباسطهم ويتواضع لهم ويؤنسهم لما قدر أحد منهم أن يقعد معه ولا أن يسمع كلامه- عليه الصلاة والسلام- لما رزقه الله تعالى من المهابة والجلالة. يبين ذلك ويوضحه ما روى أنه- صلى الله عليه وسلم- كان إذا فرغ من ركوع الفجر حدث عائشة إن كانت مستيقظة، وإلا اضطجع بالأرض ثم خرج بعد ذلك إلى الصلاة، وما ذاك إلا أنه- صلى الله عليه وسلم- لو خرج على تلك الحالة التى كان عليها، وما حصل له من القرب والتدانى فى مناجاته وسماع كلام ربه وغير ذلك من الأحوال التى يكل اللسان عن وصف بعضها، لما استطاع بشر أن يلقاه ولا يباشره، فكان- صلى الله عليه وسلم- يتحدث مع عائشة أو يضطجع بالأرض حتى يحصل التأنيس بجنسهم، وهو التأنيس مع عائشة، أو جنس أصل الخلقة التى هى الأرض.

ثم يخرج إليهم، وما ذاك إلا رفقا بهم، وكان بالمؤمنين رحيما. قاله ابن الحاج فى المدخل.


(١) صحيح: أخرجه مسلم (٢٨٦٥) فى الجنة وصفة نعيمها، باب: الصفات التى يعرف بها فى الدنيا أهل الجنة وأهل النار، من حديث عياض بن حمار المجاشعى- رضى الله عنه-، بدون ذكر قصة الحديث.
(٢) صحيح: أخرجه ابن ماجة (٢٣١٢) فى الأطعمة، باب: القديد، من حديث أبى مسعود- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن ابن ماجه» .
(٣) حسن: أخرجه أبو داود (٤٨٤٧) فى الأدب، باب: فى جلوس الرجل، والحديث حسنه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
(٤) صحيح: وهو جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (١٢١) فى الإيمان، باب: كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج.