للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد جاء فى الحديث أنه لما خير بين أن يكون نبيّا ملكا، أو نبيّا عبدا نظر- صلى الله عليه وسلم- إلى جبريل كالمستشير له، فنظر جبريل إلى الأرض يشير إلى التواضع، فاختار- صلى الله عليه وسلم- العبودية «١» ، فلما كان تواضعه- صلى الله عليه وسلم- إلى الأرض حيث أشار جبريل أورثه الله تعالى رفعته إلى السماء، ثم إلى الرفرف الأعلى، إلى حضرة قاب قوسين أو أدنى، ووقف بين يديه محمود بن الربيع، وهو صغير ابن خمس سنين، فمج- صلى الله عليه وسلم- فى وجهه مجة من ماء من دلو يمازحه بها، فكان فى ذلك من البركة أنه لما كبر لم يبق فى ذهنه من ذكر رؤية النبى- صلى الله عليه وسلم- إلا تلك المجة «٢» ، فعد بها من الصحابة وحديثه مذكور فى البخارى.

ودخلت عليه ربيبته زينب بنت أم سلمة وهو فى مغتسله، فنضح الماء فى وجهها، فكان فى ذلك من البركة فى وجهها أنه لم يتغير، فكان ماء الشباب ثابتا فى وجهها ظاهرا فى رونقها وهى عجوز كبيرة «٣» . وحديثها مذكور فى البخارى. فقد علمت أنه- صلى الله عليه وسلم- كان مع أصحابه وأهله، ومع الغريب والقريب من سعة الصدر ودوام البشر وحسن الخلق والسلام على من لقيه، والوقوف مع من استوقفه والمزح بالحق مع الصغير والكبير أحيانا، وإجابة الداعى ولين الجانب حتى يظن كل واحد من أصحابه أنه أحبهم إليه.

وهذا الميدان لا تجد فيه إلا واجبا أو مستحبا أو مباحا، فكان يباسط الخلق ويلابسهم ليستضيئوا بنور هدايته فى ظلمات دياجى الجهل، ويقتدوا بهديه- صلى الله عليه وسلم-.

وقد كانت مجالسه مع أصحابه- رضى الله عنهم- عامتها مجالس تذكير بالله،


(١) هذه القصة ذكرها الهيثمى فى «المجمع» (٩/ ١٨- ١٩) من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه- وقال: رواه أحمد والبزار وأبو يعلى ورجال الأوليين رجال الصحيح.
(٢) صحيح: والحديث عند البخارى (١٨٩) فى الوضوء، باب: استعمال فضل وضوء الناس.
(٣) القصة ذكرها الحافظ فى الإصابة، أما حديثها فى البخارى فهو ليس سماعا، حيث ليس لها حديث مرفوع، بل كل أحاديثها بواسطة لصغر سنها.