للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها: حياء المحب من محبوبه، حتى إنه إذا خطر على قلبه فى حال غيبته هاج الحياء من قلبه وأحس به فى وجهه، فلا يدرى ما سببه.

ومنها: حياء العبودية، وهو حياء يمتزج بين محبة وخوف ومشاهدة عدم صلاح عبوديته لمعبوده، وأن قدره أعلى وأجل منها، فعبوديته له توجب استيحاءه منه لا محالة.

ومنها: حياء المرء من نفسه، وهو حياء النفوس الشريفة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص، وقنعها بالدون، فيجد نفسه مستحييا من نفسه، حتى كأن له نفسين، يستحى بإحداهما من الآخرى، وهذا أكمل ما يكون من الحياء، فإن العبد إذا استحيا من نفسه فهو بأن يستحى من غيره أجدر.

والحياء- كما قال- صلى الله عليه وسلم- «لا يأتى إلا بخير» «١» ، «وهو من الإيمان» «٢» ، كما رواهما البخارى. قال القاضى عياض وغيره: وإنما جعل الحياء من الإيمان- وإن كان غريزة- لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم. وقال القرطبى: الحياء المكتسب هو الذى جعله الشارع من الإيمان، وهو المكلف به دون الغريزى. غير أن من كان فيه غريزة منه فإنها تعينه على المكتسب، حتى يكاد يكون غريزيّا، وكان النبى- صلى الله عليه وسلم- قد جمع له النوعان، فكان فى الغريزى أشد حياء من العذراء فى خدرها.

وقال القاضى عياض: وروى عنه- صلى الله عليه وسلم-: كان من حيائه لا يثبت بصره فى وجه أحد.

وأما خوفه- صلى الله عليه وسلم- ربه جل وعلا، فاعلم أن الخوف والوجل والرهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة. قال الجنيد: الخوف توقع العقوبة على مجارى


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٦١١٧) فى الأدب، باب: الحياء، ومسلم (٣٧) فى الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها، من حديث عمران بن حصين- رضى الله عنه-.
(٢) صحيح: وهو يشير إلى حديث «الإيمان بضع وسبعون شعبة..» ، والحديث أخرجه البخارى (٩) فى الإيمان، باب: أمور الإيمان، ومسلم (٣٥) فى الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.