للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما ما ذكر من سخائه وجوده وكرمه، فاعلم أن السخاء صفة غريزية، وفى مقابلته الشح، والشح من لوازم صفة النفس، قال الله تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «١» فحكم بالفلاح لمن وقى الشح، وحكم بالفلاح أيضا لمن أنفق وبذل فقال: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ «٢» أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «٣» والفلاح أجمع اسم لسعادة الدارين. وليس الشح من الآدمى بعجيب، لأنه جبلى فيه، وإنما العجب وجود السخاء فى الغريزة، والسخاء أتم وأكمل من الجود، وفى مقابلته البخل، وفى مقابلة السخاء الشح، والجود والبخل يتطرق انتهى الاكتساب بطريق العادة بخلاف الشح والسخاء إذ كان ذلك من ضرورة الغريزة، فكل سخى جواد وليس كل جواد سخيّا. والجود يتطرق إليه الرياء، ويأتى به الإنسان متطلعا لغرض من الخلق أو الحق بمقابلة من الثناء أو غير ذلك من الخلق والثواب من الله تعالى، ولا يتطرق الرياء إلى السخاء لأنه ينبع من النفس الزكية المرتفعة عن الأغراض. أشار إليه فى عوارف المعارف.

وقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس «٤» رواه البخارى ومسلم من حديث أنس. وأجود: أفعل تفضيل، من الجود وهو إعطاء ما ينبغى لمن ينبغى، ومعناه: هو أسخى الناس، ولما كانت نفسه أشرف النفوس ومزاجه أعدل الأمزجة لابد أن يكون فعله أحسن الأفعال، وشكله أملح الأشكال، وخلقه أحسن الأخلاق، فلا شك يكون أجود الناس، وكيف لا وهو مستغن عن الفانيات بالباقيات الصالحات.

واقتصار أنس على هذه الأوصاف الثلاثة من جوامع الكلم، لأنها أمهات


(١) سورة الحشر: ٩.
(٢) سورة البقرة: ٣، وسورة الأنفال: ٣، وسورة الحج: ٣٥، وسورة القصص: ٥٤، وسورة السجدة: ١٦، وسورة الشورى: ٣٨.
(٣) سورة البقرة: ٥.
(٤) صحيح: أخرجه البخارى (٢٨٢٠) فى الجهاد والسير، باب: الشجاعة فى الحرب والجبن، ومسلم (٢٣٠٧) فى الفضائل، باب: فى شجاعة النبى- صلى الله عليه وسلم- وتقدمه للحرب.