للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«أرأيت إن صرعتك أتؤمن بالله ورسوله؟» قال: نعم يا محمد، فقال له:

«تهيأ للمصارعة» قال: تهيأت، فدنا منه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخذه ثم صرعه، قال فتعجب ركانة من ذلك، ثم سأله الإقالة والعودة، ففعل به ذلك ثانيا وثالثا. فوقف ركانة متعجبا وقال: إن شأنك لعجيب «١» . رواه الحاكم فى مستدركه عن أبى جعفر محمد بن ركانة المصارع، ورواه أبو داود والترمذى وكذا البيهقى من رواية سعيد بن جبير.

وقد صارع- صلى الله عليه وسلم- جماعة غير ركانة، منهم أبو الأسود الجمحى، كما قاله السهيلى. ورواه البيهقى، وكان شديدا بلغ من شدته أنه كان يقف على جلد البقرة، ويجاذب أطرافه عشرة لينزعوه من تحت قدميه، فيتفرى الجلد ولم يتزحزح عنه، فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المصارعة وقال: إن صرعتنى آمنت بك، فصرعه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلم يؤمن وفى قصته طول.

وفى البخارى من حديث البراء، وسأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم حنين؟ فقال: فأكببنا على المغانم فاستقبلنا بالسهام.

ولقد رأيت النبى- صلى الله عليه وسلم- وهو على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها وهو يقول: «أنا النبى لا كذب، أنا ابن عبد المطلب» «٢» .

وهذا فى غاية ما يكون من الشجاعة التامة، لأنه فى مثل هذا اليوم فى حومة الوغى وقد انكشف عنه جيشه، وهو مع هذا على بغلة ليست بسريعة الجرى، ولا تصلح لكر ولا فر ولا هرب، ومع ذلك يركضها إلى وجوههم، وينوه باسمه ليعرفه من ليس يعرفه- صلوات الله وسلامه عليه-. وفى حديث البراء: كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- أى جعلناه قدامنا واستقبلنا العدو به، وقمنا خلفه.


(١) أخرجه أبو داود (٤٠٧٨) فى اللباس، باب: فى العمائم، والترمذى (١٧٨٤) فى اللباس، باب: العمائم على القلانس، والحاكم فى «المستدرك» (٣/ ٥١١) وأبو يعلى فى «مسنده» (١٤١٢) ، والطبرانى فى «الكبير» (٥/ ٧١) .
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٢٨٦٤) فى الجهاد والسير، باب: من قاد دابة غيره فى الحرب، ومسلم (١٧٧٦) فى الجهاد والسير، باب: غزوة حنين.