للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بجميع أنواع الجود، من بذل العلم والمال، وبذل نفسه لله فى إظهار دينه وهداية عباده وإيصال النفع إليهم بكل طريق، من إطعام جائعهم ووعظ جاهلهم، وقضاء حوائجهم، وتحمل أثقالهم، ولقد أحسن ابن جابر حيث قال:

يروى حديث الندى والبشر عن يده ... ووجهه بين منهل ومنسجم

من وجه أحمد لى بدر ومن يده ... بحر ومن فمه در لمنتظم

يمم نبيّا تبارى الريح أنمله ... والمزن من كل هام الودق مرتكم

لو عامت الفلك فيما فاض من يده ... لم تلق أعظم بحر منه إن تعم

تحيط كفاه بالبحر المحيط فلذ ... به ودع كل طامى الموج ملتطم

لو لم تحط كفه بالبحر ما شملت ... كل الأنام وروت قلب كل ظمى

فسبحان من أطلع أنوار الجمال من أفق جبينه، وأنشأ أمطار السحاب من غمائم يمينه. روى البخارى من حديث جابر: (ما سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن شىء قط فقال: لا) «١» وكذا عند مسلم، أى ما طلب منه شىء من أمر الدنيا فمنعه: قال الفرزدق:

ما قال لا قط إلا فى تشهده ... لولا التشهد كانت لاؤه نعم

لكن قال شيخ مشايخنا الحافظ أبو الفضل ابن حجر: ليس المراد أنه يعطى ما يطلب منه جزما، بل المراد: أنه لا ينطق بالرد، بل إن كان عنده أعطاه إن كان الإعطاء سائغا وإلا سكت. قال: وقد ورد بيان ذلك فى حديث مرسل لابن الحنيفة عند ابن سعد ولفظه: إذا سئل فأراد أن يفعل قال: نعم، وإن لم يرد أن يفعل سكت. وهو قريب من حديث أبى هريرة؛ ما عاب طعاما قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه. قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام معناه: لم يقل: لا، منعا للعطاء، ولا يلزم من ذلك أن لا يقولها اعتذارا كما فى قوله تعالى: قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ «٢» ، ولا يخفى الفرق بين


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٦٠٣٤) فى الأدب، باب: حسن الخلق والسخاء، ومسلم (٢٣١١) فى الفضائل، باب: ما سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا قط فقال: لا.
(٢) سورة التوبة: ٩٢.