للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: لا أجد ما أحملكم وبين لا أحملكم انتهى. وهو نظير ما فى حديث أبى موسى الأشعرى: لما سأله الأشعريون الحملان فقال- صلى الله عليه وسلم-: «ما عندى ما أحملكم» «١» .

لكن يشكل عليه أنه- صلى الله عليه وسلم- حلف لا يحملهم فقال: «والله لا أحملكم» «٢» فيمكن أن يخص من عموم حديث جابر، ما إذا سئل ما ليس عنده والسائل يتحقق أنه ليس عنده ذلك، أو حيث كان المقام لا يقتضى الاقتصار على السكوت من الحالة الواقعة، أو من حال السائل، كأن لم يكن يعرف العادة، فلو اقتصر فى جوابه على السكوت مع حاجة السائل لتمادى على السؤال مثلا، ويكون القسم على ذلك تأكيدا لقطع طمع السائل، والسر فى الجمع بين قوله: «لا أجد ما أحملكم» وقوله: «والله لا أحملكم» أن الأول لبيان أن الذى سئله لم يكن موجودا عنده، والثانى أنه لا يتكلف الإجابة إلى ما سئل بالقرض مثلا أو بالاستيهاب، إذ لا اضطرار حينئذ، وروى الترمذى أنه حمل إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير، ثم قام إليها يقسمها، فما رد سائلا حتى فرغ منها.

قال: وجاءه رجل فقال ما عندى شىء ولكن ابتع على، فإذا جاءنا شىء قضيناه، فقال له عمر: ما كلفك الله ما لا تقدر، فكره النبى- صلى الله عليه وسلم-، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أنفق ولا تخف من ذى العرش إقلالا، فتبسم- صلى الله عليه وسلم- وعرف البشر فى وجهه. وقال: «بهذا أمرت» «٣» .

وإنما فعل ذلك للمصلحة الداعية لذلك كالاستئلاف ونحوه.


(١) صحيح: أخرجه البخارى (٣١٣٣) فى الخمس، باب: ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين، ومسلم (١٦٤٩) فى الإيمان، باب: ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها.
(٢) صحيح: وهو جزء مما قبله.
(٣) أخرجه الترمذى فى «الشمائل» (٢٨١) .