للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كان جوده- صلى الله عليه وسلم- كله لله وفى ابتغاء مرضاته، فإنه كان يبذل المال تارة لفقير أو لمحتاج وتارة ينفقه فى سبيل الله، وتارة يتألف به على الإسلام من يقوى الإسلام بإسلامه. وكان يؤثر على نفسه وأولاده، فيعطى عطاء يعجز عنه الملوك مثل كسرى وقيصر، ويعيش فى نفسه عيش الفقراء، فيأتى عليه الشهر والشهران لا توقد فى بيته تار، وربما ربط الحجر على بطنه الشريفة من الجوع.

وكان- صلى الله عليه وسلم- قد أتاه سبى، فشكت إليه فاطمة ما تلقى من خدمة البيت وطلبت منه خادما يكفيها مؤنة بيتها، فأمرها أن تستعين بالتسبيح والتكبير والتحميد، وقال: «لا أعطيك وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع» «١» . وأتته امرأة ببردة فقالت: يا رسول الله أكسوك هذه، فأخذها- صلى الله عليه وسلم- محتاجا إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها فقال: «نعم» فلما قام- صلى الله عليه وسلم- لامه أصحابه، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبى- صلى الله عليه وسلم- أخذها محتاجا إليها ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يسأل فيمنعه «٢» . رواه البخارى من حديث سهل بن سعد. وفى رواية ابن ماجه والطبرانى قال: نعم، فلما دخل طواها وأرسل بها إليه. وأفاد الطبرانى فى رواية زمعة بن صالح أنه- صلى الله عليه وسلم- أمر أن يصنع له غيرها فمات قبل أن يفرغ منها. وفى هذا الحديث من الفوائد: حسن خلقه- صلى الله عليه وسلم- وسعة جوده.

واستنبط منه السادة الصوفية: جواز استدعاء المريد خرقة التصوف من المشايخ تبركا بهم وبلباسهم، كما استدلوا لإلباس الشيخ للمريد بحديث أنه- صلى الله عليه وسلم- ألبس أم خالد خميصة سوداء ذات علم «٣» رواه البخارى.


(١) صحيح: وأصل القصة عند البخارى (٣١١٣) فى الخمس، باب: الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والمساكين، ومسلم (٢٧٢٧) فى الذكر والدعاء، باب: التسبيح أول النهار وعند النوم، من حديث عائشة- رضى الله عنها-.
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (٦٠٣٦) فى الأدب، باب: حسن الخلق والسخاء.
(٣) صحيح: حديث أم خالد أخرجه البخارى (٥٨٢٣) فى اللباس، باب: الخميصة السوداء.