للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زعم أن فيها نسخا، وكيف يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع بين الأحاديث، والصواب: أن النهى محمول على كراهة التنزيه، وأما شربه- صلى الله عليه وسلم- قائما فلبيان الجواز. فإن قلت: كيف يكون الشرب قائما مكروها، وقد فعله- صلى الله عليه وسلم-؟ فالجواب: أن فعله- صلى الله عليه وسلم- إذا بيانا للجواز لا يكون مكروها، بل البيان واجب عليه- صلى الله عليه وسلم-. وأما قوله- صلى الله عليه وسلم-: «فمن نسى فليستقىء» فمحمول على الاستحباب والندب، فيستحب لمن شرب قائما أن يتقيأ لهذا الحديث الصحيح الصريح سواء كان ناسيا أو لا، قاله النووى.

وقال المالكية: لا بأس بالشرب قائما، واستدلوا لذلك بحديث جبير بن مطعم قال: رأيت أبا بكر الصديق يشرب قائما. ويقول مالك إنه بلغه عن عمر بن الخطاب وعثمان وعلى أنهم كانوا يشربون قياما. وأجابوا عن حديث أبى هريرة «لا يشربن أحدكم قائما، فمن نسى فليستقىء» بأن عبد الحق قال:

فى إسناده عمر بن حمزة العمرى، وهو ضعيف. انتهى. وقال المازرى: قال بعض شيوخنا لعل النهى ينصرف لمن أتى أصحابه بماء فبادر لشربه قائما قبلهم استبدادا به، وخروجا عن كون ساقى القوم آخرهم شربا.

وقال بعض الشيوخ: الأظهر أنه موقوف على أبى هريرة: قال:

والأظهر لى أن أحاديث شربه قائما تدل على الجواز، وأحاديث النهى تحمل على الاستحباب والحث على ما هو أولى وأكمل، لأن فى الشرب قائما ضرّا ما، فكره من أجله، وفعله هو لأمنه منه، قال: وعلى هذا الثانى يحمل قوله: «فمن شرب فليستقىء» على أن ذلك يحرك خلطا يكون القىء دواءه، ويؤيده قول النخعى: إنما نهى عن ذلك لداء البطن. انتهى. وقال ابن القيم:

للشرب قائما آفات عديدة منها: أنه لا يحصل به الرى التام، ولا يستقر فى المعدة حتى يقسمه الكبد على الأعضاء وينزل بسرعة إلى المعدة فيخشى منه أن تبرد حرارتها، ويسرع النفوذ إلى أسافل البدن بغير تدريج، وكل هذا يضر بالشارب قائما، فإذا فعله نادرا لم يضره.

وعند أحمد عن أبى هريرة أنه رأى رجلا يشرب قائما، فقال له قئه،