للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال: لم؟ قال: أيسرك أن يشرب معك الهر قال: لا، قال: قد شرب معك من هو شر منه: الشيطان «١» . وكان- صلى الله عليه وسلم- يتنفس فى الشراب ثلاثا ويقول:

«إنه أروى وأمرأ وأبرأ» «٢» رواه مسلم. ومعنى تنفسه: إبانة القدح عن فيه، وتنفسه خارجه، ثم يعود إلى الشرب. وأخرج الطبرانى فى الأوسط بسند حسن عن أبى هريرة: أن النبى- صلى الله عليه وسلم- كان يشرب فى ثلاثة أنفاس «٣» : إذا أدنى الإناء إلى فيه سمى الله، فإذا أخره حمد الله، يفعل ذلك ثلاثا.

وفى هذا الشرب حكم جمة وفوائد مهمة، نبه- صلى الله عليه وسلم- على مجامعها بقوله «إنه أروى وأمرأ وأبرأ» فأروى: من الرى- بكسر الراء من غير همز- أشد ريّا وأبلغه وأنفعه. وأبرأ، أفعل من البرء- بالهمز- وهو الشفاء، أى يبرئ من شدة العطش ودائه لتردده على المعدة الملتهبة دفعات، تسكن الدفعة الثانية ما عجزت الأولى عن تسكينه، والثالثة ما عجزت عنه الثانية. وأيضا:

فإنه أسلم لحرارة المعدة، وأبقى عليها من أن يهجم عليها البارد وهلة واحدة ونهلة واحدة، فإنه أسلم عاقبة وآمن غائلة من تناول جميع ما يروى دفعة واحدة، فإنه يخاف منه أن يطفئ الحرارة الغريزية لشدة برده وكثرة كميته، أو يضعفها فيؤدى ذلك إلى فساد المعدة والكبد، وإلى أمراض رديئة، خصوصا فى سكان البلاد الحارة، وفى الأزمنة الحارة، فإن الشرب فيهما وهلة واحدة مخوف عليهم جدّا.

وقوله: أمرأ: بالهمز، أفعل من مرؤ الطعام والشراب فى بدنه إذا داخله وخالطه بسهولة ولذة ونفع. انتهى. وقال بعضهم: والمعنى أنه يصير هنيئا مريئا. أى: سالما أو مبرئا من مرض أو عطش أو أذى. ويؤخذ من ذلك:

أنه أقمع للعطش وأقوى على الهضم. ومن آفات الشرب نهلة واحدة، أنه


(١) أخرجه أحمد فى «المسند» (٢/ ٣٠١) .
(٢) صحيح: أخرجه مسلم (٢٠٢٨) فى الأشربة، باب: كراهة التنفس فى نفس الإناء، من حديث أنس- رضى الله عنه-.
(٣) إسناده ضعيف: ذكره الهيثمى فى «المجمع» (٥/ ٨٢) وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط، وفيه اليمان بن المغيرة، وهو ضعيف.