فقط، ومن أثبت للأولياء خوارق عادات سماها: كرامات، والسلف كانوا يسمون هذا وهذا معجزا كالإمام أحمد وغيره، بخلاف ما كان آية وبرهانا على نبوة النبى فإن هذا يجب اختصاصه به. وقد يسمون الكرامات آيات لكونها تدل على نبوة من اتبعه ذلك الولى، فإن الدليل مستلزم للمدلول، يمتنع ثبوته بدون ثبوت المدلول، فلذلك كان آية وبرهانا، انتهى.
وإذا علمت هذا، فاعلم أن دلائل نبوة نبينا- صلى الله عليه وسلم- كثيرة، والأخبار بظهور معجزاته شهيرة. فمن دلائل نبوته: ما وجد فى التوراة والإنجيل وسائر كتب الله المنزلة من ذكره ونعته، وخروجه بأرض العرب، وما خرج بين يدى أيام مولده ومبعثه من الأمور العجيبة الغريبة القادحة فى سلطان الكفر، الموهنة لكلمتهم المؤيدة لشأن العرب. المنوهة لذكرهم، كقصة الفيل، وما أحل الله تعالى بأصحابه من العقوبات والنكال، وخمود نار فارس وسقوط شرفات إيوان كسرى، وغيض ماء بحيرة ساوة، ورؤيا الموبذان «١» ، وما سمع من الهواتف الصارخة بنعوته وأوصافه، وانتكاس الأصنام المعبودة وخرورها لوجهها من غير دافع لها من أمكنتها، إلى سائر ما روى وما نقل فى الأخبار المشهورة من ظهور العجائب فى ولادته وأيام حضانته وبعدها إلى أن بعثه الله نبيّا.
ولم يكن له- صلى الله عليه وسلم- ما يستميل به القلوب من مال فيطمع فيه، ولا قوة فيقهر بها الرجال، ولا أعوان على الرأى الذى أظهره، والدين الذى دعا إليه، وكانوا يجتمعون على عبادة الأصنام، وتعظيم الأزلام، مقيمين على عادة الجاهلية فى العصبة والحمية، والتعادى والتباغى وسفك الدماء، وشن الغارة ولا تجمعهم ألفة دين، ولا يمنعهم عن سوء أفعالهم نظر فى عاقبة، ولا خوف عقوبة ولائمة، فألف- صلى الله عليه وسلم- بين قلوبهم وجمع كلمتهم، حتى اتفقت الآراء وتناصرت القلوب، وترادفت الأيدى، فصاروا إلبا واحدا فى نصرته، وعنقا واحدا إلى طلعته، وهجروا بلادهم وأوطانهم، وجفوا قومهم وعشائرهم فى
(١) اسم حاكم المجوس، حيث قد رأى رؤية ليلة مولده الشريفة، أن إبلا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت فى بلادها، نقلا عن بعض كتب التاريخ.